في بداية أعمال ٥، نجد القضاء على الشر، وذلك بموت حنانيا وَامْرَأَتُهُ سَفِّيرَةُ (ع١-١١)، وبعد ذلك نجد أن الله عمل بقوة غير عادية حيث جرت على أيدي الرّسل آياتٌ وعجائب كثيرةٌ في الشّعب، وكان ظل بطرس يشفي، وكان مؤْمنون ينْضمّون للرّبّ أكْثر (ع١٢-١٦). وهذا ما قاله يشوع للشعب: «تقدّسوا لأنّ الرّبّ يعْمل غدًا في وسطكمْ عجائب» (يشوع٣: ٥)؛ فحياة القداسة أولاً، ثم بعد ذلك يعمل الله بقوة. ويمكن أن نقول إنه في بداية الأصحاح: الكنيسة نقية، وبعد ذلك: الكنيسة قوية.
بعد أن أظهر الله قداسته بموت حنانيا وسفيرة، حدثت أربعة أمور هامة:
بالنسبة للمؤمنين: «صَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَنِيسَةِ وَعَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِذلِكَ» (ع١١)، خوف من فعل الشر، وأيضًا وحدتهم معًا.
بالنسبة للرسل: استمرار الآيات والعجائب، وبشيء أكثر قوة، لأن ظل بطرس كان يشفي (ع١٢، ١٥).
غير المؤمنين: «وَأَمَّا الآخَرُونَ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْسُرُ أَنْ يَلْتَصِقَ بِهِمْ» (ع١٣)، أي عدم دخول الخطاة وسط الكنيسة.
تزايد عدد الكنيسة: «وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ» (ع١٤).
«وَجَرَتْ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّعْبِ»، كان هذا ضروريَا في بداية تأسيس الكنيسة، لكي يُعلن الله تأييده لرسله ولرسالتهم، وأيضًا كان تتميمًا لوعد الرب الذي قاله لتلاميذه قبل صعوده للسماء مباشرة: «وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ» (مرقس١٦: ١٧، ١٨)، وكان أيضًا استجابة لصلاة الرسل بعد تهديدهم (أعمال٤: ٢٩، ٣٠).
لقد كانت الكلمة شفاهية، ولم يكن الوحي قد اكتمل بعد، لذلك مكتوب: «وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ» (مرقس١٦: ٢٠)، من هذا نفهم أن غرض الآيات هو تثبيت الكلمة التي تكلم بها الرسل.
«وَكَانَ الْجَمِيعُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ». شيء رائع أن يكون كل المؤمنين الحقيقين بنفس واحدة، وفكر واحد ومحبة واحدة، هذا هو سر القوة للكنيسة، أما إذا وُجد التحزب والانقسام، فهذا سيؤدي إلى الضعف (متى١٢: ٢٥).
«وَأَمَّا الآخَرُونَ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْسُرُ أَنْ يَلْتَصِقَ بِهِمْ، لكِنْ كَانَ الشَّعْبُ يُعَظِّمُهُمْ». الآخرون يقصد بها غير المؤمنين من الشعب ورؤسائهم، فلم يجرؤ أحد من خارج المؤمنين أن يلتصق بهم، بسبب خوفهم من قداسة الله.
وفي الحقيقة عندما يبتعد المراؤون، تصير الكنيسة في وضع روحي أفضل، فعندما دخل اللفيف وسط شعب الله في القديم، لم يحتمل البرية وتعبها (عدد١١: ٤).
لكِنْ كَانَ الشَّعْبُ يُعَظِّمُهُمْ: لأنهم صاروا محبوبين من الشعب، وشعروا أنهم فعلا رجال الله، وهم القنوات التي من خلالها يبارك الله الآخرين، وكان الإحساس بحضور الله فيهم قويًا وواضحًا.
«وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ». لقد آمن بالمسيح في حياته أكثر قليلاً من خمسمائة أخ (١كورنثوس١٥: ٦)، وفي يوم الخمسين آمن ثلاثة آلاف نفس (أعمال٢: ٤١)، وبعد معجزة شفاء الأعرج صَارَ عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفٍ (أعمال٤: ٤)، لكن الآن لا يذكر العدد، لأن الذين انضموا للرب جماهير من رجال ونساء، لقد كان شيئًا مذهلاً حقًا، إنها يد الرب القديرة، وسلطان كلمته، وقوة الروح القدس.
كل هذا حدث بعد موت حنانيا وسفيرة، أي لم يحدث ضرر للكنيسة، لكن تعويض إلهي، ونمو عظيم، بسبب حياة القداسة.
نلاحظ التعبير أن المؤمنين كانوا «يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ» وليس للكنيسة التي في أورشليم أو لشخص أو لحركة معينة، بل للرب، لأنهم أصبحوا أعضاء في جسد المسيح، وذلك بالإيمان به.
«حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ»، استخدم الله بطرس استخدمًا عظيمًا جدًا في بداية تأسيس الكنيسة، ليس فقط في ربح الآلاف للمسيح، لكن في صنع قوات وآيات، فلقد انتشر خبر الإيمان بالمسيح في كل مكان، وكذلك خبر الشفاء، فحملوا المرضى ووضعوهم في الشوارع على فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، وفقط يمر بطرس وعندما يخيم ظله على أحد المرضى فكان يبرأ، إنها فعلاً قوات غير المعتادة، حيث أظهر الله قوته وصلاحه، وذلك لإكرام اسم المسيح.
كان الروح القدس الساكن في بطرس هو الذي يعمل هذه الآيات والقوات، لقد كان الظل يحمل تأثير المسيح نفسه، وكانت القوة التي في ظل بطرس هى قوة المسيح شخصيًا.
لقد جَرَتْ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّعْبِ، لكن الله اختص بطرس بشيء متمير وهو أن ظله عندما يُخيم على أحد كان يبرأ، وهذا يرينا سلطان الله غير المحدود، والذي يستخدم من يشاء، وبأي طريقة، وفي أي وقت بحسب حكمته السامية.
«وَاجْتَمَعَ جُمْهُورُ الْمُدُنِ الْمُحِيطَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَامِلِينَ مَرْضَى وَمُعَذَّبِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ». انتشرت أخبار الإنجيل المفرحة في كل مكان، وما ارتبط بها من شفاء المرضى وتحرير المعذَّبين من الأرواح النجسة، فاجْتَمَعَ جُمْهُورُ الْمُدُنِ الْمُحِيطَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَامِلِينَ مَرْضَى وَمُعَذَّبِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ، وكان لديهم إيمان كامل في قوة المسيح الشافية والمحررة، ويُعتبر هذا امتداد الخدمة خارج أسوار أورشليم، ونمو العمل الروحي للكنيسة.
وإن كان ع١٥ يتكلم عن شفاء المرضى من أورشليم، لكن ع١٦ يتكلم عن شفاء المرضى من المدن المحيطة بأورشليم.
«وَكَانُوا يُبْرَأُونَ جَمِيعُهُمْ» كان الله يعمل في هذه الأيام بقوة غير عادية، وجميع المرضى كانوا يبرأون، فلم يرجع أحد دون شفاء.
كان لبطرس تأثير عندما يمر في شارع معين، فكان المرضى يبرأون، ولكن السؤال الآن، هل لنا نحن تأثير روحي على من حولنا، عندما نمر في شارع معين أو نتواجد في مكان ما؟
عندما نكون في شركة قوية مع الرب، والتصاق دائم به، وشبع مستمر بكلمته، وملء من الروح القدس، فلا بد أن يكون لنا تأثير واضح على الآخرين، والناس تنجذب إلى الرب يسوع ثم تؤمن به.
بينما العكس عندما نلتصق بالعالم ونقبل أفكاره ومبادئه، فإننا ستفقد تأثيرنا عليه، مثل كلام لوط مع أصهاره الآخذين بناته، فعندما كان يكلمهم عن القضاء الذي سيحل بسدوم، فكان كمازح في أعين أصهاره (تكوين١٩: ١٤).