توجه محمد جالي الشاب السوداني، برسالة لأخويه اللذين يقاتلان على جبهتين مختلفتين في الحرب الدائرة رحاها هذه الأيام في السودان، إذ يقاتل أخيه الأكبر “مصعب” في صفوف الجيش ضد أخيه الأصغر “يعقوب” الذي ينتمي لقوات الدعم السريع. انتشرت الرسالة بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفها الكثيرون بالرسالة المؤلمة؛ لأنها تجسِّد البُغضة والانقسام الذي يعاني منه البلد الواحد، بل والبيت الواحد. هزَّني الخبر وأزعجني؛ كيف يتقاتل الأشقاء هكذا؟ فكرت وتأملت فوجدت أن:
(١) القصة قديمة
فهذان الأخوان المتحاربان يذكِّراننا بقصة قديمة جدًا، قِدَم أبينا الأول آدم وما فعله ابنه الأكبر قايين بابنه الأصغر هابيل، فكلا الأخوين كان يحارب كل منهما في جبهة ضد جبهة الآخر، أي في جبهتين مختلفتين؛ وقف قايين في معسكر الأعمال والاستحقاق والبر الذاتي حتى ينال قبول الله وعفوه ورضاه، أما هابيل فوقف في معسكر آخر تمامًا هو معسكر الإيمان والنعمة وعدم الاستحقاق فيقول الكتاب: «بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ ِللهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ. فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْد» (عبرانيين١١: ٤). «كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ» (١يوحنا٣: ١٢). «وَيْلٌ لَهُمْ! لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ» (يهوذا١١).
(٢) علامات سليمة
إن الحروب علامة من علامات قرب مجيء المسيح الثاني وظهوره للعالم، كما أخبرنا الكتاب المقدس، بل وما أنبأ به الرب يسوع تلاميذه: «وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: “قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ”. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: “انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِين سَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِن. وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ”» (متى٢٤: ٣-٨).
فعندما نسمع أو نقرأ أخبارًا مثل: مقتل أكثر من ٣٠٠ ألف عسكري ومدني في الحرب الأوكرانية الروسية.. مواجهات عنيفة في بداية مسيرات باريس ضد قانون التقاعد.. انفجارات.. أوبئة.. مجاعات، هذه وغيرها من أحداث تخبرنا بما سبق وقاله الكتاب عن علامات الأيام الأخيرة فإلهنا: «مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ» (إشعياء٤٦: ١٠).
(٣) دعوة رحيمة
لقد فَقَد العالم مصدر السلام والاستقرار؛ بسبب ابتعاده عن الرب يسوع الذي: «هُوَ سَلاَمُنَا» (أفسس٢: ١٤). فزادت حدة الحروب والخصومات. لذلك نحن هنا ندعو كل المتخاصمين والمتنازعين أن يُقبلوا إلى المسيح مصدر السلام، فهو وحده الذي يحرِّر القلب من سيادة الشرير، لقد صنع بموته على الصليب سلامًا للإنسان مع الله ومع أخيه الإنسان «لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا... وَيُصَالِحَ الِاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ» (أفسس٢: ١٤-١٧).
فعندما يمتلئ قلب الإنسان بالمسيح، يفيض القلب سلامًا وهدوءًا، مع نفسه ومع من حوله. ويمتلك الروح القدس الحياة؛ ويفيض الثمر غزيرًا «مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ» (غلاطية٥: ٢٢)، بل ونبشر بالسلام «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ» (رومية١٠: ١٥)، ونطلب عن المسيح تصالحوا مع الله.
وهل هناك أجمل من تصرف إبراهيم مع ابن أخيه لوط حينما قال له: «لا تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ لأننا نَحْنُ أخَوَانِ» (تكوين١٣: ٨).
صديقي القارئ وصديقتي القارئة
إننا نصلي من أجلك أن تتصالح مع ربك فتتصالح مع نفسك ومن ثم مع أخوتك، ليتك تنهض الآن وتعيش في سلام و«لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رومية١٢: ٢١)، هذه هي رسالة ودعوة المسيح الرحيمة لنا وللعالم، ليتك ترحم نفسك وتقبلها وأخيرًا: «سَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي٤: ٧).