خروج بطرس من السجن وصلاة الكنيسة من أجله

حدثت أمورًا عظيمة متتالية في أعمال الرسل أصحاحات ٩ و١٠ و،١١ وهذه أثارت الشيطان ضد الكنيسة:

فنجد خلاص شاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة، ثم كرازته بالمسيح (أعمال٩)، ثم فتح الباب للأمم، وخلاص كرنيليوس وبيته (أعمال١٠)؛ ثم تكونت كنيسة قوية في أنطاكية، وأيضًا ظهرت المحبة العملية للمؤمنين بعضهم لبعض، إذ أرسل المؤمنين في أنطاكية خِدْمَةً مالية إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ بسبب المجاعة (أعمال١١).

«مَدَّ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ يَدَيْهِ لِيُسِيئَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْكَنِيسَةِ»

هيرودس: هو هيرودس أغريباس الأول، وهو حفيد هيرودس الكبير، وابن أخو هيرودس أنتيباس، وعائلة الهرادسة جميعهم قتلة.

فَقَتَلَ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا بِالسَّيْفِ: استفانوس هو أول شهيد في المسيحية (أعمال٧: ٦٠)، ويعقوب بن زبدي هو أول شهيد بين الرسل (أعمال١٢: ٢)، وهو الرسول الوحيد الذي يذكر الروح القدس طريقة استشهاده، وهي قتله بالسيف، وكان هذا عام ٤٤ ميلادية.

«عَادَ فَقَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيضًا، وَلَمَّا أَمْسَكَهُ وَضَعَهُ فِي السِّجْنِ»

فرض هيرودس حراسة مشدده على الرسول بطرس، وذلك بسبب هروبه السابق من السجن (أعمال٥: ١٨، ١٩)، مُسَلِّمًا إِيَّاهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَرَابعَ مِنَ الْعَسْكَرِ لِيَحْرُسُوهُ، كل أربعة من العسكر عليهم مسؤولية حراسته ٦ ساعات في اليوم، ثم يسلمه إلى المجموعة الثانية وهكذا.

«فَكَانَ بُطْرُسُ مَحرُوسًا فِي السِّجْنِ، وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَت تَصِيرُ مِنهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِن أَجلِهِ»

نـجد هنا قوتان تعملان: القوة الأولى هى قوة هيرودس، وما يملكه من سلطة وعسكر؛ والقوة الثانية هى قوة الصلاة للكنيسة المجتمعة معًا، والنتيجة النهائية أن قوة الصلاة كسبت المعركة.

«وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَت تَصِيرُ مِنهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِن أَجلِهِ»، نجد في هذه الآية الصلاة المستجابة:

    • وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ: صلاة جماعية ومتحدة.
    • فَكَانَت تَصِيرُ مِنهَا صَلاَةٌ: إعلان عن الضعف البشري مستندًا على قوة الله.
    • بِلَجَاجَةٍ: كانت بحرارة وبدون انقطاع.
    • إِلَى اللهِ: موجهة إلى الله، وليست إلى البشر أو الملائكة، ولذلك هى صلاة حقيقية.
    • مِن أَجلِهِ: محددة الطلبة.

واستجاب الرب صلوات الكنيسة وأرسل ملاك وأنقذ بطرس.

«وَلَمَّا كَانَ هِيرُودُسُ مُزْمِعًا أَنْ يُقَدِّمَهُ، كَانَ بُطْرُسُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نَائِمًا بَيْنَ عَسْكَرِيَّيْنِ مَرْبُوطًا بِسِلْسِلَتَيْنِ»

كَانَ بُطْرُسُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نَائِمًا نومًا عميقَا، وذلك لعدة أسباب:

    • وثق في وعد الرب: أنه سيموت شيخًا، فقد قال له الرب: «وَلكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لاَ تَشَاءُ» (يوحنا٢١: ١٨).
    • يعلم أن العمر محدد من عند الرب: «وَقَدْ عَيَّنْتَ أَجَلَهُ فَلاَ يَتَجَاوَزُهُ» (أيوب١٤: ٥).
    • لم يكن خائفًا من الموت: لأن الرب قال: «لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ» (متى١٠: ٢٨).
    • ملأ قلبه سلام المسيح: كان واثقًا في وعده، «سَلاَمًا أَترُكُ لَكُم. سَلاَمِي أُعطِيكُمْ» (يوحنا١٤: ٢٧).
    • اختبر خلاص الرب له في مرات سابقة: لأن هذا السجن هو الثالث له، وأنقذه الرب في المرتين السابقتين (أعمال٤؛ ٥)، فكان يثق أن الرب يستطيع إنقاذه.

جاء ملاك الرب إلى السجن، وَنُورٌ أَضَاءَ فِي الْبَيتِ، ولكن بطرس لم يستيقظ، فاضطر الملاك أن يضَرَبَ جَنْبَه وَأَيْقَظَهُ قَائِلاً: قُم عَاجِلاً! فَسَقَطَتِ السِّلسِلَتَانِ مِن يَدَيهِ، لأن لا شيء يقف أمام قوة الله.

لقد سقطت أسوار أريحا أمام قوة الإيمان (عبرانيين١١: ٣٠)، وسقطت السلسلتان من يدي بطرس بقوة الصلاة (أعمال١٢: ٥)، وسقط دَاجُونَ عَلَى وَجهِهِ إِلَى الأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ (١صموئيل٥: ٣).

ثم يذكر له بالترتيب بكلمات مركزة وحازمة: ١. قم عاجلًا ٢. تَمَنْطَقْ ٣. الْبَس نَعلَيْكَ ٤. البَس رِدَاءَكَ ٥. اتبَعنِي، فَخَرَجَ يَتبَعُهُ، لقد أطاع بطرس دون تردد.

لقد تم كل هذا في خلال دقائق قليلة، وبسرعة فائقة، ووجد نفسه خارج السجن، وكأنه حلم، سار معه الملاك زُقَاقًا وَاحِدًا، ليكون قد ابتعد عن دائرة الخطر، ثم فَارَقَهُ.

لقد اختبر إنقاذ الرب له من موت محقق، فقال: «الآنَ عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ، وَمِنْ كُلِّ انْتِظَارِ شَعْبِ الْيَهُودِ». وبطرس ينسب إنقاذه للرب، وليس للملاك، الذي هو فقط آلة مستخدمة.

تحرك مباشرة إلى بيت مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، لأن هذا البيت كان مكان اجتماع الكنيسة في أورشليم، ووجد الباب مغلقًا، لأن الوقت كان ليلاً، والكنيسة تصلي بالداخل، وكانت هناك مخاوف من هيرودس الملك ورجاله.

عندما قرع باب الدهليز، جاءت رَوْدَا لتعرف من الطارق، وعندما سمعت صوت بطرس عرفته، لأن بطرس كان يتردد كثيرًا على هذا البيت (١بطرس٥: ١٣).

لم تفتح رودا الباب، بَلْ رَكَضَتْ إِلَى دَاخِل وَأَخبَرَت أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَاب، لقد حملت بشارة مفرحة إلى الكنيسة، ولكنهم لم يصدقوا، ونرى هنا ضعف إيمان الكنيسة في استجابة الصلاة.

«وَأَمَّا بُطْرُسُ فَلَبِثَ يَقْرَعُ. فَلَمَّا فَتَحُوا وَرَأَوْهُ انْدَهَشُوا. فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ لِيَسْكُتُوا»

لأنهم عندما رأوه واندهشوا، أطلقوا صيحات الفرح والانتصار، لذلك أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ لِيَسْكُتُوا، لكيلا تحدث ضوضاء، وأيضًا ليسمعوا ما سوف يقوله لهم، ثم حَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَخْرَجَهُ الرَّبُّ مِنَ السِّجْنِ، وبذلك أعلن الرب لهم أنه استجاب صلواتهم، وذلك لتقوية إيمانهم.

ثُمَّ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ليهرب من سيف هيرودس الذي كان يريد قتله (متى١٠: ٢٢، ٢٣).

ينتهي الكلام عن الرسول بطرس في أعمال١٢، وخدمته وسط اليهود، باستثناء ما جاء في أعمال١٥، وذلك ليفسح الكلام عن خدمة الرسول بولس، وخدمته وسط الأمم.

لم ينتهِ الأمر عند إنقاذ بطرس؛ لكن يُعلن الوحي عن القضاء على هيرودس المتكبر والقاتل، الذي بعدما شعر بالهزيمة، ذهب إلى قيصرية، وهناك ضَرَبَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ للهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدُّودُ وَمَاتَ.

أنقذ الرب بطرس ولم ينقذ يعقوب، وهذا يرجع لحكمة الله وسلطانه لأن خدمة يعقوب انتهت، بينما خدمة بطرس لم تنتهِ.

في هذا الأصحاح العظيم نرى يد الله تعمل بحكمة وقوة لصالح كنيسته، وأنه مسيطر على كل الأحداث، والصلاة تعمل عملًا عظيمًا، والله يتمجد في القضاء على الأشرار والمقاومين لعمله، لذلك يجب أن نثق فيه.

يا ليتنا نتعلم أن نصلي من أجل إخوتنا ومن أجل ظروفهم المتنوعة، ولا سيما الذين في ضيقات، وتجارب محرقة.

(يتبع)