رحلة الإيمان

في إحدى اللقاءات التلفزيونية، أشار بيتر إلى رحلته المحفوفة بالمخاطر والتي شارك فيها أثناء مدرسة "التدريب الصيفي المكثفة لدراسة الكتاب المقدس". كانت "رحلة الإيمان" هذه فصلاً أساسيًا من تدريبات المدرسة وخلالها يتم التدريب على العيش بالإيمان من جهة مصادر الدخل المادي وأيضًا مجالات الخدمة المختلفة، ولا يُسمح بحمل أموال أو كروت ائتمانية، وعليك الذهاب إلى منطقة محرومة من رسالة الإنجيل لمشاركتهم فيها، وكل ما تحمله معك هو هويتك الشخصية، وبعض النُبذ التبشيرية وطبعًا الكتاب المقدس.

وبالرغم من رفض بيتر لتلك المغامرة، لكن مع مرور الوقت وبالتدريب في الصلاة وقراءة الكتاب المقدس شعر بارتياح لخوض تلك التجربة المُثيرة، مع بعض الشباب المتحمس، وبالفعل كافئ الرب إيمانه البسيط مع باقي أعضاء الفريق، إذ ذهبوا وهم لا يحملون أي شيء في حقائبهم سوى رسالة الإنجيل وبشرى الخلاص، لكنهم عادوا مُحمَّلين ببركات روحية وزمنية واختبارات عملية في "رحلة الإيمان".

و نحن يا إخوتي جميعًا نتدرج في هذه الرحلة مع الرب كل يوم، والإيمان: «هُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى». (عبرانيين ١١: ١)، واستنادًا على ذلك، أود أن أشارك معك ببعض النقاط الهامة.

١- الإيمان وتحدياته:

مما لا شك فيه أنه هناك تحديات وصعوبات كثيرة أثناء رحلة الإيمان هنا على الأرض، أصعبها هو ثبات الإيمان في مواجهة رياح، وعواصف وتقلبات الحياة، فمن السهل جدًا أن تتحول عيوننا وأنظارنا عن رئيس الإيمان ومُكمله الرب يسوع.

هذا التحدي واجهه بطرس أثناء سيره على الماء بأمر من السيد شخصيًا، لكن لما كانت الرياح شديدة والظلام دامس، خاف وحول نظره وابتدأ يغرق حتى تدخل الرب وأنقذه معاتبًا إياه على ضعف إيمانه. «فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟» (متى ١٤: ٣٠، ٣١)..

٢- الإيمان وكفايته:

الإيمان بكفاية الله وحده لسداد كل احتياج درس قيم وعميق جدًا في "رحلة الإيمان"، أنه درس لا يمكن تعلمه من خلال الكتب، أو المحاضرات، لكن يتم تعلمه عمليًا في أرض الميدان، إذ يختبر المؤمن من خلاله كفاية الله لسداد الاحتياج بفيض عجيب يصعب وصفه أو حتى تصديقه، هل تذكر عوز واحتياج الأرملة صاحبة "دهنة الزيت" عندما سألها أَلِيشَعُ: «مَاذَا أَصْنَعُ لَكِ؟ أَخْبِرِينِي مَاذَا لَكِ فِي الْبَيْتِ؟». فَقَالَتْ: «لَيْسَ لِجَارِيَتِكَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ دُهْنَةَ زَيْتٍ». وَلَمَّا امْتَلأَتِ الأَوْعِيَةُ قَالَتْ لابْنِهَا: «قَدِّمْ لِي أَيْضًا وِعَاءً». فَقَالَ لَهَا: «لاَ يُوجَدُ بَعْدُ وِعَاءٌ». فَوَقَفَ الزَّيْتُ. فَأَتَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَ اللهِ فَقَالَ: «اذْهَبِي بِيعِي الزَّيْتَ وَأَوْفِي دَيْنَكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَبَنُوكِ بِمَا بَقِيَ» (٢ملوك٤: ٢، ٦، ٧).

٣- الإيمان وخلاصه:

الإيمان في حياة المؤمن قادر على تغير مسار وحسابات الحياة أثناء رحلة الحياة بكل تفاصيلها، كما أن إيمان شخص واحد قد يكون سببًا رئيسيًا في خلاص كل أهل البيت: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال ١٦: ٣١) وأيضًا «بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكًا لِخَلاَصِ بَيْتِهِ» (عبرانيين ١١: ٧).

٤- الإيمان وتضحياته:

فصل هام من فصول رحلة الإيمان، هو الاستعداد للتضحية لمن ضحى بنفسه وأحبنا وأسلم نفسه لأجل خلاصنا، فكيف لا نُضحي لأجله بالغالي والرخيص لأجل شخصه الكريم. «بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْر، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ...» (عبرانيين١١: ٢٤-٢٧).

٥- الإيمان وتشجيعاته:

ومن أروع المحطات في "رحلة الإيمان ”هو تشجيعات ومكافآت الإيمان، فالرب يُقدِّر جدًا الثقة فيه، لذا انتهر التلاميذ عندما اهتزت ثقتهم فيه أثناء هياج البحر وقسوة الرياح العاصفة «وَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟» (مرقس ٤: ٤٠).

على الجانب الآخر، الرب ينظر إلى الإيمان، ويرسل تشجيعات للمؤمن أثناء رحلة الإيمان لقد شجع إيمان جدعون المُهتز بتعاملات خاصة من خلال الجَزة المُبتلة والجافة كما طلب لقيادة الشعب وتحريره من قبضة الأعداء (قضاة ٦: ٣٦ - ٤٠). أيضًا شجَّع ثبات وإيمان الفتية الثلاثة الذين رفضوا السجود فرافقهم في وسط أتون النار وأنقذهم من الموت حرقا في الأتون المُحمّى ٧ أضعاف.

٦- الإيمان وحساباته:

كثيرًا ما يُساء استخدام الإيمان فيقود البعض إلى التواكل وليس الاتكال على الرب وسلطانه، وهذا يؤدي إلى عواقب وخيمة، ولنا في أم موسى - يوكابد - درس رائع في حسابات الإيمان إذ لم تلقِ ابنها في النهر مُعتمدة على قوة الله وخلاصه بل رتبت له سفط وعملت أقصى ما يمكن أن تفعله ليبقى على قيد الحياة «وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطًا مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ» (الخروج ٢: ٣). فالإيمان لا يلغي استخدام الاحتياطات الواجبة.

«بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ. بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ" (عبرانيين١١: ٢٣-٢٥).

٧- إعلان الإيمان:

من الرائع أن تُعلن إيمانك ولا تخفيه في مواجهة صعوبات وتحديات الحياة، هذا ما فعله الصبي "داود" في مواجهة العملاق "جليات الجبار"، فبدلًا من الخوف والهرب منه، أعلن إيمانه وثقته في إله إسرائيل وقدرته على مواجهته بخمس حجارة مُلس!

«فَقَالَ دَاوُدُ لِلْفِلِسْطِينِيِّ: «أَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ بِسَيْفٍ وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ إِلهِ صُفُوفِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ عَيَّرْتَهُمْ. هذَا الْيَوْمَ يَحْبِسُكَ الرَّبُّ فِي يَدِي، فَأَقْتُلُكَ وَأَقْطَعُ رَأْسَكَ. وَأُعْطِي جُثَثَ جَيْشِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ هذَا الْيَوْمَ لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَحَيَوَانَاتِ الأَرْضِ، فَتَعْلَمُ كُلُّ الأَرْضِ أَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ لإِسْرَائِيلَ. وَتَعْلَمُ هذِهِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِسَيْفٍ وَلاَ بِرُمْحٍ يُخَلِّصُ الرَّبُّ، لأَنَّ الْحَرْبَ لِلرَّبِّ وَهُوَ يَدْفَعُكُمْ لِيَدِنَا». (١صموئيل ١٧: ٤٥-٤٧).

دعونا نُرنم:

يعني إيه تعلن إيمانك

يـعـني إيه

يعني تمشي تذيع صلاحه

وتنادي بيه قصاد عيانك

يعني تفضل شديد وواقف

مهما حظ الدنيا خانك

المسيح هو الضمان

وسط دنيا حلاها مر

والحياة من غير إيمان

أبدا ما فيها شيء يسر