بطرس ومخاصمة أهل الختان له

ذهب بطرس من يافا إلى قيصرية، ودخل بيت كرنيليوس الأممي، وكلَّمه ومن معه عن الرب وعمله، فآمنوا بالرب يسوع وحلَّ الروح القدس عليهم، ثم أمر بطرس أن يعتمدوا باسم الرب، حِينَئِذٍ سَأَلُوهُ أَن يَمكُثَ أَيَّامًا، واستجاب بطرس لدعوتهم ومكث أيامًا، ليعلمهم كلمة الله.

وصلت أخبار قبول الأمم لكلمة الله إلى أورشليم، وأن بطرس دَخَل إِلَى رِجَال من الأمم وَأَكَل مَعَهُم.

«وَلَمَّا صَعِدَ بُطرُسُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، خَاصَمَهُ الَّذِينَ مِن أَهلِ الخِتَانِ، قَائِلِينَ: إِنَّكَ دَخَلْتَ إِلَى رِجَال ذَوِي غُلْفَةٍ وَأَكَلْتَ مَعَهُم»

كانت الكنيسة في أورشليم مكونة من يهود آمنوا بالرب يسوع، وأيضًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الكَهَنَةِ أطاعوا الإِيمَانَ (أعمال٦: ٧)، ومِن مَذهَبِ الفَرِّيسِيِّينَ (أعمال١٥: ٥)، لذلك كانت قلوبهم وأفكارهم ضيقة، وكانوا غيورين للناموس.

وبعد إيمانهم بالرب يسوع المسيح في تدبير النعمة، كانوا يظنوا أن من يؤمن بالرب يسوع من الأمم يجب أولاً أن يدخل اليهودية، ويختتن، حتى يمكن قبوله.

لذلك كانت صدمة لهم، قبول الأمم كلمة الله وإيمانهم وحلول الروح القدس عليهم، دون الختان ودخول اليهودية.

كانت نظرتهم للأمم لم تزل أنهم بِلاَ إِلهٍ فِي العَالَمِ (أفسس٢: ١٢)، بينما هم شعب الله المختار (مزمور١٣٥: ٤).

الَّذِينَ مِن أَهلِ الخِتَانِ، يقصد بهم مؤمنين بالرب يسوع من أصل يهودي، تمت لهم عملية الختان وهم أطفال، ولكنهم غيورين للناموس.

خَاصَمَهُ: تفيد عدم فرحهم بخلاص الأمم، لكنهم أمسكوا في جزئية واحدة، وهي أن بطرس أكل مع الأمم، وكانوا يعتقدون أنه قد أخطأ.

دائمًا في كل عمل ناجح للرب، ولكنيسته نجد أربع نوعيات من البشر:

من استخدمه الرب في العمل، وهنا نجد الرسول بطرس.

من سمع بالعمل، وهنا نجد الرُّسُلُ وَالإِخوَةُ الَّذِينَ كَانُوا فِي اليَهُودِيَّةِ.

من قاوم العمل، وهنا نجد أَهلِ الخِتَانِ الَّذِينَ خاصموا بطرس.

من شجَّع العمل، وبعد ما سرد بطرس لهم ما حدث، كَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ.

ولليوم أمام كل عمل عظيم للرب، نجد هذه الأنواع الأربعة عينها، ولكن دعني اسألك: من أي نوع أنت؟

إن من لهم غيرة عظيمة على عمل الله، ولهم طموح روحي، أن يتوقعوا النقد من المتزمتين، ومع ذلك يجب ألا يكفوا عن خدمتهم، بل يستمروا فيها بنشاط طبقًا للمكتوب.

أمام المخاصمة، ابْتَدَأَ بُطْرُسُ يَشرَحُ لَهُم بِالتَّتَابُعِ، أي بترتيب، فقدم لهم سردًا كاملاً وواضحًا بكل ما حدث بالتفصيل، ليوضح لهم حقيقة ما حدث معه بخصوص كرنيليوس، وذلك لتبرير ذهابه إلى الأمم.

وكمبدأ عام، لإزالة أي سوء فهم، لا بد من التوضيح وشرح الحقائق كما حدثت، وهذا ما فعله بطرس، إذ ذكر عدة أمور:

    • ١. الرؤيا التي رآها في يافا عندما كان يصلي، بعد أن وقعت عليه غيبة، رأى «إِنَاءً نَازِلاً مِثْلَ مُلاَءَةٍ عَظِيمَةٍ مُدَّلاَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ مِنَ السَّمَاءِ» (أعمال١١: ٥، ٦)، أي أن البداية كانت من الله وليست منه هو.
    • ٢. صوت الرب متكلمًا له «وَسَمِعْتُ صَوْتًا قَائِلاً لِي: قُمْ يَا بُطْرُسُ، اذْبَحْ وَكُل» (أعمال١١: ٧-١٠). فهم بطرس بعد ذلك أن الأمر لم يكن متعلقًا بالطعام، بل بالإنسان.
    • ٣. مجيء ثلاثة رجال من قِبل كرنيليوس، «وَقَفُوا لِلْوَقْتِ عِنْدَ الْبَيْتِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ» (أعمال١١: ١١).
    • ٤. صوت الروح القدس الذي بداخله، يأمره بالذهاب ومشجعًا له (أعمال١١: ١٢).
    • ٥. ذهب معه ستة من المؤمنين اليهود من يافا (أعمال١١: ١٢)، إلى قيصرية، ومكثوا معه، ثم تحركوا معه إلى أورشليم، وكان هذا بحكمة ليكونوا شهود عيان على ما سيحدث في قيصرية.
    • ٦. كرنيليوس رأى الملاك في بيته قائمًا وقال له: أَرسِلْ إِلَى يَافَا رِجَالاً، وَاستَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ (أعمال١١: ١٣)، أي أن كرنيليوس أخذ تكليفًا سماويًا باستدعاء بطرس.
    • ٧. قال الملاك لكرنيليوس: «وَهُوَ يُكَلِّمُكَ كَلاَمًا بِهِ تَخْلُصُ أَنْتَ وَكُلُّ بَيْتِكَ» (أعمال١١: ١٤). الله لديه عشرات الآلاف من الملائكة، لكنه لم يرسل واحدًا منهم ليكلم كرنيليوس عن الرب يسوع وعمله، لأن الملائكة لم يختبروا الفداء ليتكلموا عنه، وهذه مسؤولية المؤمنين الحقيقيين بالمسيح.
    • ٨. عندما بدأ في الكلام عن الرب يسوع وعمله، حل عليهم الروح القدس، «فَلَمَّا ابْتَدَأْتُ أَتَكَلَّمُ، حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي الْبُدَاءَةِ» (أعمال١١: ١٥).
    • ٩. تذكر كلام الرب يسوع الذي قاله لتلاميذه قبل صعوده: «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَاءٍ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتُعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال١١: ١٦).
    • ١٠.هذه هي يد الله لأنه قد أعطاهم الموهبة كما لنا بالسوية (أعمال١١: ١٧)، فالله قد أعطى المؤمنين من الأمم، ما سبق أن أعطاه للمؤمنين اليهود يوم الخمسين، وبالتالي ساوى بين الاثنين.

وبعد أن سرد لهم الأسباب العشرة التي دفعته أن يذهب إلى الأمم، سألهم سؤالين:

١. فَمَن أَنَا؟

٢. أَقَادِرٌ أَن أَمنَعَ اللهَ؟

بالطبع لا يستطيع أحد أن يمنع الله عند فعل أي شيء، قال أيوب «وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟» (أيوب٩: ١٠-١٢).

كان دخول الأمم إلى دائرة الإيمان من عمل نعمة الله بالكامل، وإذا كانت هذه الأمور كلها من الله، فمن يمنع الله عن فعل أي شيء.

«فَلَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ سَكَتُوا، وَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ قَائِلِينَ: إِذًا أَعْطَى اللهُ الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!»

نتيجة كلامه أسكت الرب كل معارضة، وانتهت أسئلتهم، وسكوتهم إعلان عن خضوعهم لما عمله الله.

يا ليتنا نتعلم مما حدث، أنه إذا وُجد خلاف في الكنيسة على أمر معين، فكل طرف يُقدم براهين كتابية، وعلى الآخرين أن يخضعوا للكلمة ويتراجعوا عن الرأي غير الصحيح.

كمبدأ عام دعنا لا نحكم بحسب الظاهر، ولا بحسب الأحوال التي نعرفها جزئيًا فقط، ربما يكون تصرف مؤمن سبب دهشة لنا، لكن قد يكون تصرفه في سبيل الطاعة للرب، لذلك مهم جدًا سماع الشخص نفسه ومناقشته، وذلك لإزالة أي سوء فهم.

يا ليتنا قبل أن نحكم على أحد أن نسمع منه، ونتحقق جيدًا من الأمر، ومن جانب آخر من يُتهم بتهمة باطلة يوضح الأمر أمام إخوته بكل صراحة، وبذلك يزول أي سوء فهم.