عرفنا في العددين اللي فاتوا مظاهر الطفولة الروحية وخطورتها، وكمان سمات الرجولة الروحية (ويقصد بيها الكتاب إن المؤمنين الرجالة والستات يكونوا ناضجين أقوياء روحيًا) وشوفنا أهميتها الكبيرة. والعدد ده هنتكلم على الرحلة من الطفولة للرجولة؛ يعني نعمل إيه عشان نتحرك من مكاننا خطوات للنضوج الروحي. وهاقترح ليك بعض نقاط تكون كبداية وأنا واثق إن الرب هيكمل معاك المشوار:
الفطام
الفطام هو إن الأم تمنع الرضاعة الطبيعية عن الطفل عشان تخليه ما يعتمدش بس عليه، ويبتدي يتغذي على الأكل الصحي اللي يكبَّر؛ لأن اللبن لوحده مش هيعمل كده. والفطام صعب على الطفل، لكنه لازم عشان ميفضلش طفل وصحته تبقى ضعيفة.
يلفت النظر في تكوين٢١: ٨ إنه لما «كَبِرَ الْوَلَدُ (إسحاق) وَفُطِمَ. صَنَعَ إِبْرَاهِيمُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً يَوْمَ فِطَامِ إِسْحَاقَ». معملهاش يوم ما اتولد ولا في عيد ميلاده؛ لكن في فطامه اللي واضح إنه مهم جدًا لأنه بيعلن إن الطفل كِبٍر وبطَّل يعتمد ع اللبن بس وابتدا ياكل الطعام القوي بتاع الكبار (عبرانيين٥: ١٤)، يعني بقى ليه اهتمامات روحية وفهم في أمور الله بيعيش بتقوى وقداسة، كل يوم بيبكبر عن اللي قبله.
والفطام صعب روحيًا كمان، وفيه حرمان من حاجات بنحبها (وممكن تكون في حد ذاتها مش غلط) لكنها معطلة حياتنا الروحية. ممكن تكون صداقات، علاقات، عادات، مواقع التواصل الاجتماعي، كسل وحب الراحة الزيادة... وكل واحد يقدر يعرف اللي معطله بالملاحظة وسؤال الرب ومؤمنين أتقياء ناضجين. لكن مهما كانت التكلفة، لا يمكن الاستغناء عن الفطام لأنه بينقل لمرحلة أفضل؛ سعيًا للنضوج والرجولة الروحية. صلي وشوف الحاجات اللي معطلاك واطلب نعمة من الرب تتخلى عنها. يوسف بن يعقوب اتفطم بدري بالحرمان من حاجات كتيرة زي حنان أمه ومحبة إخوته، وحتى حريته اتحرم منها وهو شاب عنده حوالي ١٧ سنة. أما شمشون فِضِل طفل ورا رغباته، مقالش لنفسه لأ ولا سمعها لما اتقالته، كان كل همه يحصل على كل حاجة «حسُنت في عينيه». والفرق بين نهاية شمشون ونهاية يوسف واضحة.
التدريب
وده يجيبنا لباقي عبرانيين٥: ١٤ «... اِلْبَالِغِينَ... بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ». وأضيف عليه كلام بولس عن نفسه في أعمال٢٤: ١٦ «لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ». وده أمر في منتهى الأهمية؛ فتخيل واحد ما اتدربش على رفع الأثقال قرر يخش بطولة الجمهورية، تفتكر النتيجة هتكون إيه؟ فشل ذريع طبعًا. ده اللي بيعمله ناس روحيًا فبيفشلوا. فمثلاً يبقى عنده أشواق حلوة لدراسة الكتاب فيجيب كل الكتب اللازمة ويقعد بالساعات يحاول وفجأة يُحبط ويسلِّم في الموضوع.
الحقيقة المؤمن يوم ما اتقابل بتوبة مع الرب عند الصليب، ابتدا طريق كل ما فيه يحتاج تدريب. والتدريب يعني نبتدي بالقليل ونزوده شوية بشوية، يعني صاحبنا بتاع الأثقال يبتدي حتى برفع ١٠ كجم ويزودهم كل كام يوم، لحد ما يوصل للأرقام العالمية. والآيات اللي في أول الفقرة بتحرضنا على كده روحيًا؛ فنتعلم شوية بشوية إزاي نميز الخير من الشر (الصح من الغلط)، وازاي ضميرنا يتصرف بحيث نكون بلا لوم قدام الله ولا الناس. المشكلة إن فيه ناس مبتبدأش، القرار قرارك إنك تبدأ. وفيه ناس بتحبط بسرعة، اِفتِكر إن ليك معونة كبيرة من الروح القدس قادرة تخليك تكمل.
الحسابات
وده موضوع مهم جدًا. بولس كان عنده مبادئ بتحكم حياته، زي كلامه في فيلبي ٣: ٧-١٤ «لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ... أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ...». والكلمة المتكررة «حسبت» و«أحسب...» بتتكلم عن طريقة تفكير، أو بمعنى أدق حساب إيه أغلى من إيه؛ فحسب امتيازاته اليهودية كأنها خسارة عشان المسيح، وأكتر من كده حسب كل حاجة بلا قيمة قدام أنه يعرف الرب أكتر لأنه اعتبر إنه لسه معرفش بالقدر الكافي. والنتيجة إنه حط قدامه هدف واحد إنه يكرم الرب. نفس الكلمة اتقالت عن موسى إنه «بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، (والسبب إنه كان) حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» (عبرانيين١١: ٢٤-٢٦). وواضح لينا قد إيه موسى وبولس كبروا روحيًا وكانوا سبب بركة لشعب الرب.
الكلام لسه ليه بقية عن طريق النضوج، بنعمة الرب نكمله في العدد القادم. ولحد ما نتقابل أسيب معاك الأسئلة دي تفكر فيها: