كله بيعمل كده

واحدة من التحديات أمام الشباب اليوم، هي رغبتهم أن لا يخالفوا الوسط المحيط بهم، وذلك حتى لا يشعرون بأنهم منبوذين أو بإنهم مخالفين للمجتمع وثقافته. وقد يجدوا أنفسهم مضطرين أن يسلكوا مثل الآخرين تحت مبرر واحد، ألا وهو، أنه “كله بيعمل كده”! كيف نواجه هذا التحدي؟ تعالوا معًا نحكي ونبحث عن الرأي الصحيح.

أولاً: ليست الأغلبية دائمًا على صواب

هناك ما يُسمى في علم الاجتماع بسلوك القطيع (herd behavior) وهو مصطلح يطلق على سلوك الأفراد في الجماعة، عندما يقومون بمسايرة سلوك الجماعة التي ينتمون لها، دون أي تفكير أو بحث. يومًا من الأيام قامت مظاهرة في مدينة أفسس، دفاعًا عن صناعة التماثيل، ضد الرسول بولس. كانت مظاهرة ضخمة العدد، لكن الغريب أنه يُذكر: «الْمَحْفَلَ كَانَ مُضْطَرِبًا وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَدْرُونَ لأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا قَدِ اجْتَمَعُوا!» (أعمال الرسل٣٢:١٩).

وعندما أرسل موسى اثنا عشر جاسوسًا ليتجسسوا أرض كنعان، رجعوا فريقين، الأغلبية أي عشرة منهم، قالوا: «لا نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلى الشَّعْبِ لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا». وكان لهم تأثيرًا سلبيًا على كل الجماعة بالإحباط والبكاء! بينما اثنان منهم فقط، هما يشوع وكالب، قالا: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَليْهَا». وكان الرأي الأخير للأقلية هو الذي تم لاحقًا ودخلا الأرض فعلًا (عدد٣١،٣٠:١٣).

ثانيًا: السمك الحي يسير ضد التيار

صحيح أن معظم الناس تسير مع التيار، ومن السهل أن تنقاد، دون إبداء اعتراض أو مقاومة أو حتى بحث فيما يفعلوه الناس حولهم وهذا هو الأسهل والمريح لرؤوسنا! لكن المفكر قوي الشخصية، هو الذي لا يقبل أن يسير “بروح القطيع”. أنه يفكر ويدرس كثيرًا سلوك وصيحات الناس الجديدة، فينتقي منها ما يتناسب مع أخلاقه وفكره، فالسمك الحي هو من يسير غير محمول بالتيار!

وفي كلمة الله نجد أن كل الأبطال في الفكر وفي الإيمان، هُم من كان لهم الشخصية المميزة عن الباقين. فنقرأ عن دانيآل ورفاقه في بابل، رغم كونهم أسرى لا حول لهم ولا قوة، لكنهم لم يسلكوا كالباقين.

فدانيآل لم يشارك الآخرين في طعامهم «فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ» (دانيال ١: ٨)، والفتية أيضًا رفقاؤه لم يشاركوا كل بابل في السجود لتمثال الذهب، رغم أن آتون النار كان ينتظرهم، فقالوا للملك: «أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ» (دانيال٣: ١٨). وكلنا نعلم كمّ الإكرام الإلهي الذي منحه الرب لهم!

ثالثًا: ما هو الفيصل أو المقياس للأمور؟

إن المقياس، بصفة عامة، الذي يجب أن نسير عليه لا بد أن يكون مرجِعًا قويًا. فمثلًا إذا أردنا أن نستخدم منتجًا أو دواءً، فليس المقياس ما يقوله الناس، بل لا بد من البحث عن الحقيقة العلمية، والمقياس المنطقي، ومدى النفع، والجدوى! هكذا في سيرنا وسلوكنا ومنظر ملابسنا ومظهرنا، لا يجب أن يحملنا الآخرين لنقلدهم تقليدًا أعمي مهما كان شأنهم وشهرتهم! أليس كذلك؟

لنا مقاييس إلهية وقيم أخلاقية راقية:

    • ١. المؤمنون متميزون عن كل الناس: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ» (بطرس الأولى٩:٢). مرة قال يشوع للشعب: اختاروا وعيشوا كما تشاؤوا «وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ» (يشوع ٢٤: ١٥).
    • ٢. لنا كلمة الله: يقول الرسول بولس لأهل فيلبي: «فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ» هذا هو مقياس الصحيح والخطأ لنا (فيلبي ١: ٢٧).
    • ٣. ما يليق بأولاد الله: لا يوجد عندنا مبدأ «حلال أو حرام»! بل هناك ما يتناسب ويليق بالمؤمنين المفديين، لذلك يقول الرسول بولس: «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ» (كورنثوس الأولى ٢٣:١٠).
    • ٤. المسيح مثالنا: لنا قدوة عظيمة في كلمة الله هو المسيح نفسه الذي قال مرة «وَتَعَلَّمُوا مِنِّي ... فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متى٢٩:١١). لذلك يقدم الرسول بولس نفسه أيضًا، قدوة لإخوته، كمتمثل بالمسيح «كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ» (كورنثوس الأولى ١:١١).
    • ٥. الروح القدس: الروح القدس في المؤمنين يعلمهم ويرشدهم لما هو صحيح «بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌّ وَلَيْسَتْ كَذِبًا» (يوحنا الأولى ٢٧:٢).

إخوتي الأحباء في الرب، يا ليتنا لا نتأثر بالأجواء المحيطة بنا، مهما عملوا أو عاشوا، ليكن ما لهم من ملابس وأفكار وتوجهات وعلاقات، لكن أرجو ألا ننسى هذا التحريض الإلهي: «فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ» (مزمور٣:٤).