ما زلنا أمام ظهورات المسيح بعد القيامة للمؤمنين. وبعد أن تحدثنا عن ظهوره لمريم المجدلية والنساء الأخريات، ثم لبطرس، نأتي الآن لنتحدث عن الظهور الرابع في اليوم الذي قام فيه من الموت وهو:
ظهوره لتلميذي عمواس.
«وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ» (مرقس ١٦: ١٢). «وإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا عِمْوَاسُ...» (لوقا ٢٤: ١٣-٣٥).
في هذا الظهور نتكلم عن بعض الدروس التي نتعلمها منه:
حالنا وصفاتنا
تبدأ القصة في الطريق إلى قرية بعيدة عن أورشليم، وكأنهما يسيران عكس التلميذين اللذين سألا الرب: «يَا مُعَلِّمُ، أَيْنَ تَمْكُثُ... وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذلِكَ الْيَوْمَ» (يوحنا ١: ٣٨- ٣٩).
«هذه الحوادث» الكلام الذي نطقا به عن الرب يسوع، ينم عن جهلهما بالمكتوب عنه. ليتنا نتعلم أن نُقدِّر الرب. ولكن «أمسكت أعينهما عن معرفته» لأنهما اعتادا أن يريا الرب في جسد الاتضاع ولم يرياه في جسد القيامة لذلك لم يعرفاه في البداية.
«ماشيان عابسين»: رجعا لعمواس بعد أحداث الصلب مغمومين ومغلوبين من الحزن لأنه أفكارهما عن المسيح كانت غير مكتملة (لوقا٢٤: ٢١)، فكانت النتيجة الحتمية لفهمهما الخاطئ حالة العبوسة.
تقديرنا للرب
«يسوع الناصري»: آه على المؤمن في غير محله والشركة فاترة، فتراه يقول كلامًا كالجواري: «وَهذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!» (متى ٢٦: ٧١).
«إنسانًا نبيًا»: ألم يقل اليهود عن المسيح: «وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ؟» (مرقس ٨: ٢٨). نعم إلى تلك اللحظة لم يعلما لاهوته، هو فقط النبي كقول موسى (تثنية ١٨: ١٨). وهذا إيمان ناقص.
«وصلبوه» (ع٢٠): لم يفهما معنى صلبه، ومعنى الآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها، فتقديرهما للناس: «كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه» (ع٢٠)، كان يعني أن للناس سلطانًا على الرب! ونسيا ما سبق وقاله الرب كثيرًا إنه: «يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (لوقا ٩: ٢٢).
تقديرنا للرجاء والمكتوب
لا تأثير للرجاء السماوي عليهما كان كل رجائهما مرتبط بالأرض «... أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ...» (ع٢١).
«الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ!» (ع٢٥). يجب أن نصدق كل الكتاب لأنه موحى به من الله.
الرب يرد نفوسنا
هو الذي يرد نفسي يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه. وقد قام الرب مع التلميذين ببعض الأمور لرد نفوسهما:
«تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد» (ع٢٨). فالرب لا يفرض نفسه على أحد، لكنه يدخل إذا طلبنا منه أن يفعل ذلك، وسيكون المضيف الكريم ونحن الضيوف.
«يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب» (ع٢٧). الرب لا يتكلم عن الأحداث، لكن عن المكتوب في جميع الكتب. وما يلهب القلب ليس الكلام عن حدث جاري ولا عن أحوال العالم، بل عن المكتوب. يا لروعة ما سمعاه والرب نفسه يفسر لهما كل الكتاب.
«فانفتحت أعينهما وعرفاه»: عندما يأخذ الرب مكانه ويتكلم ويأخذ خبزًا ويبارك فالنتيجة سنعرفه.
نتيجة اللقاء: ذهبا من أورشليم باكتئاب وضعف إيمان وعابسين وغبيان (بسيطان). نراهما يرجعان بقلب ملتهب إلى التلاميذ وفي فمهما بشارة حلوة أن الرب قام وكانا يخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز. فلا مكان للحزن ولا لعدم الإيمان لأن رؤية الرب تزيل كل شيء.
ظهوره للتلاميذ وليس معهم توما
«وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!» وَلَمَّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ». أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ.» (يوحنا ٢٠: ١٩-٢٤).
أولًا قبل هذا الظهور ظهر أولًا لمريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب (ع١٨). ثم حضر تلميذا عمواس أيضًا وكانا يخبران بما حدث وكيف عرفاه عند كسر الخبز (لوقا ٢٤: ٣٣-٣٥). ونرى في هذا الظهور الكنيسة في علاقتها بالرب الممجَّد في الأعالي والذي نخرج منه ببعض الدروس:
«سَلاَمٌ لَكُمْ»: هذا إعلان السلام الذي حصله لنا الرب يسوع بموته على الصليب «وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ» (كولوسي١: ٢٠) أيضًا «لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ» (أفسس ٢: ١٤-١٦).
«أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ»: يوحنا يذكر لنا جانب الرب المطعون الذي جرت منه ينابيع المحبة دم وماء، رغم الكراهية من جانب الإنسان. أما في إنجيل لوقا – الذي يكلمنا عن الرب كالإنسان الكامل – فأراهم يديه ورجليه (لوقا ٢٤: ٤٠)، الذي «جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال١٠: ٣٨).
«كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا»: المؤمنون ليسوا من العالم، بل مُرسَلون إليه لنحمل شهادة السلام من الرب الذي أعطانا سلامه الشخصي، إزاء الظروف الصعبة ونحن نمثله لذا قال: «سلام لكم».
«اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ»: الروح القدس كان سيحل بعد صعود الرب يوم الخمسين (يوحنا ٧: ٣٧-٣٩). لكن هنا يعطي حياة جديدة أفضل للتلاميذ، كحياة الابن المُقام من الأموات. كما نفخ في آدم فصار نفسا حية.
«مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»: أولًا ليس له علاقة بالغفران الأبدي الذي هو من سلطان الرب وحده (اقرأ لوقا ٥: ٢٤). أما هنا فالكلام عن الكنيسة التي تدين من داخل، أي القبول على الشركة مع جماعة الرب يتوقف على إيمان المؤمن وسلوكه، والعزل بسبب سوء التعليم أو فساد السلوك، إلى أن تُرد النفس بالتوبة. فهذا تعليم تمارسه الكنيسة هنا على الأرض وليس تعليم يختص بالأبدية.