كثيرين في هذه الأيام صُدموا في بعض المؤمنين؛ نتيجة سلوكيات معينة، أو اختلاف في الآراء أو لاختلاف الأجيال. والنتيجة أنهم قرروا الابتعاد عن الجو الروحي تمامًا، فقاطعوا “الكنيسة”، والبعض ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فقاطع الله تمامًا!
إنني من قلبي أشفق على كل شخص يمر بتلك الأزمة، وأخذ قراره أن يبتعد. كما أنني أشفق أيضًا على كل من يصارع بين اتجاهين، لا يعلم أي طريق فيهما يأخذه! والسؤال هل هم على حق! هل هم معذورون؟ أم مذنبون؟ تعالوا نقف على حقيقة الأمور، ونحن نرجع إلى كلمة الله التي بنورها نرى نورًا.
أولاً: لا بد أن تأتي العثرات!
حيث إننا نعيش في عالم يسوده الشيطان، واستطاع العدو أن يزرع الزوان أحيانًا كثيرة، حتى وسط المعترفين بالمسيح؛ لذلك لا بد أن ننظر إلى الصورة كاملة ولا ننظر إليها من جانب واحد. قال الرب يسوع: «وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ. فَلاً بُدَّ ًانْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ» (متى٧:١٨). أي أنه لا بد أن يكون هناك عثرات، فلماذا نُصطدَم وكأننا نواجه شيئًا غير متوقعًا؟!
هناك عثرات حقيقية وأخرى ليست حقيقية. فعندما يسلك مؤمن أو شخص متقدِّم في الإيمان أو خادم للكلمة، سلوكًا غير مسيحيٍ، فهذا السلوك عثرة لمن حوله بحق. أما إذا تصرف بشكل ما يختلف معي، حسب عمره أو جيله أو نشأته، ولم يوافقني أفكاري، فيجب على ألا أسميها عثرة، بل أضعها في مسمياتها الحقيقية ألا وهي “اختلاف الأجيال أو الأفكار”.
لماذا نحتمل كل أشكال المضايقات والسلوكيات المشينة، في المجتمع والعمل ومجالات الدراسة، ثم نأتي في مجال الكنيسة وأكون “حساس قوي” وكأني انتظر أي تصرف لا يريحني لأهرب؟!
أود أن أسأل كل متعثر: هل المسيح أعثرك أم الناس؟ لماذا تُحمِّل الرب يسوع والكنيسة ذنب فعلة بعض الأشخاص؟ ما أروع ما قاله بولس: «مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ ... إِنَّنَا مِنْ أجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ» (رومية٣٦،٣٥:٨).
ثانيًا: هناك دينونة للمُعثِر ولا عذر للمُتعثِر!
شدد الرب يسوع في حديثه عن العثرات، وأوضح الويل الخطير الذي ينتظر كل من يُعثِر غيره فقال: «فَخَيْرٌ لَهُ ًانْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ» (متى٦:١٨). أي أن من يُعثر أحد أولئك الصغار، فخير له أن يموت وبأبشع طريقة يغرق في لجة البحر، وفي عنقه حجر ثقيل، كيلا ينجو! يا للهول!
لكن لا توجد في كلمة الله عبارة واحده تعطي عذرًا لمن يتعثر من هذه أو تلك! بل بالعكس نجد أن كل من ترك الرب أو خدمته يتكلم عنهم الكتاب بأسى وحزن.
يذكر لنا الكتاب أن هناك من تعثروا من المسيح، هل تتخيل ذلك؟ عندما سمعوه يتكلم عن الأمور السماوية والخبز النازل من السماء قالوا: «إِنَّ هَذَا الْكلاًمَ صَعْبٌ! مَنْ يَقْدِرُ ًانْ يَسْمَعَهُ؟»، وكانت إجابة المسيح لهم «أهَذَا يُعْثِرُكُمْ؟ ... الْكلاًمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ، وَلَكِنْ مِنْكُمْ قَوْمٌ لاً يُؤْمِنُونَ». (يوحنا٦٠:٦-٦٣)
ثالثًا: نصائح كتابية حتى لا تقع في هذا الفخ
هل تعلم يا صديقي أن العثرة هي للصغار! يقول الرب يسوع: «وَمَنْ ًاعْثَرَ ًاحَدَ هَؤُلاًءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي» (متى٦:١٨). وكل من يؤمن بالرب يسوع مدعو أن يكون رجلاً وليس طفلاً صغيرًا «لاً نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ ًاطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ» (أفسس١٤:٤).
لا تنسى عزيزي أن العدو يريد أن يبعدك رويدًا رويدًا بعيدًا عن الرب يسوع المسيح كي يفترسك. وهو بمكره يعرف أن الطريقة الأسهل، هي أن يعثرك من المؤمنين حولك ثم يعثرك من الله. لا تبتلع الطُعم وكن في حضرة الله وأيضًا وسط إخوتك المؤمنين.
أنطر إلى الرب يسوع الرائع الكامل والذي أيضًا تحمل الكثير لأجلنا. يشجع كاتب العبرانيين المؤمنين هناك قائلاً: «نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ... لِئَلاً تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ» (عبرانيين٣،٢:١٢).
المؤمنون هم بَشَر! أرجو ألا يغيب عن فكرنا أن المؤمنين هم أُناس لهم نقصاتهم، كما أنني أنا وأنت لنا نقصاتنا وعيوبنا! صحيح المستوى المطلوب والذي نستند على نعمة الله أن نكون فيه هو «قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ» (أفسس١٣:٤). لكن وارد أن يصدر من أي منّا بعض الأخطاء فنحتاج أن نحتمل أحدنا الآخر ونصلي لأجل أحدنا الأخر أيضًا.
شدد ما بقي: هذه كانت طلبة الرب لملاك كنيسة ساردس «كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ» (رؤيا٢:٣). وهذا هو دور المؤمن الناضج تجاه أخوته، يشعر بتكليف من الرب ومسؤولية تجاههم، فمرة بولس قال عن إخوتها «يَا ًاوْلاًدِي الَّذِينَ ًاتَمَخَّضُ بِكُمْ ًايْضًا إِلَى ًانْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية١٩:٤). وما أروع نحميا عندما سمع أن إخوته في شر عظيم! لم يتعثر أو يتنحى عنهم لكن ماذا فعل؟ «جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ ًايَّامًا وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ ًامَامَ إِلَهِ السَّمَاءِ» (نحميا٤:١).
هذا هو التحدي الكبير أمامنا، ألا نكون ريشة في مهب الريح، نتعثر من شيء أو شخص، بل لنكن رجالاً ثابتين، بل ونكون سبب بركة لمن حولنا وهذا لن يتيسر لنا إلا بثباتنا في الرب وفي شدة قوته.