الرجل الذي أحرق الدرج

لا أنسى تصرف ذلك الطبيب في عيادته، فعندما انتهى من كشفه، قدَّمت له بأدب مجلة مسيحية هدية ليقرأها، فصرخ في وجهي، وتفوه بكلمات صعبة، لكن ما أحزنني أنه مزق المجلة وألقاها أرضًا. هذه الواقعة ليست الأولى، بل سبقه في هذا العمل المشين يهوياقيم الملك، دعونا نتناول قصته.

كان يوشيا (أبو يهوياقيم) الملك قد قام بعملية إصلاح، فيها رمَّم الهيكل. لكن الإصلاح لم يَصِل إلى القلوب. لذلك حذَّر إرميا معلنًا ضرورة التوبة، وإلا ستسقط المملكة! فإن كان ترميم بيت الرب هام، لكن الأهم هو ترميم القلوب. وإن كان تقديم الذبائح هام، فالطاعة أهم من الذبيحة. وإن كان ختان الجسد هام فختان القلب أهم. لكن نحن البشر للأسف نرتضي ونكتفي بالشكليات دون توبة حقيقية.

أملى إرميا كلمة الله لباروخ الذي كتبها على دَّرْجٍ (قطعة من الجلد). وبينما كان يقرأ كلمات الدرج، كانَ يهوياقيم الْمَلِكُ «جَالِسًا فِي بَيْتِ الشِّتَاءِ... وَالْكَانُونُ (الموقد) قُدَّامَهُ مُتَّقِدٌ... فشَقَّ (الدرج) بِمِبْرَاةِ الْكَاتِبِ، وَالْقَاهُ إِلَى النَّارِ الَّتِي فِي الْكَانُونِ، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ الدَّرْجِ فِي النَّارِ الَّتِي فِي الْكَانُون. ِ وَلَمْ يَخَفِ الْمَلِكُ وَلاً كُلُّ عَبِيدِهِ السَّامِعِينَ كُلَّ هذَا الْكَلاًمِ، وَلاً شَقَّقُوا ثِيَابَهُمْ» (إرميا٣٦: ٢٢- ٢٤). واليوم هناك معلمون يضعون أنفسهم في مكانة أعلى وفي مدرسة أعلى يسمونها: “النقد الأعلى”، فيمزقون كلمة الله، مشككين البسطاء في أصالتها وفي صدق وحيها.

صديقي وصديقتي: إن الذين يرفضون الحق اليوم سيقبلون الضلال غدًا، فالارتداد العظيم بات وشيكًا، ولكن قبل هبوطه، ستُخطَف الكنيسة وسيُرفع الروح القدس من الأرض، ويُفسح المجال لضد المسيح، لأن الله سيرسل إليهم «عَمَلَ الضَّلاًلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، لكي يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ» (٢تسالونيكي١١:٢).

أسباب رفض الكلمة

لماذا مزق يهوياقيم الدرج وأحرقه؟ ما الأسباب التي جعلت الطبيب يمزق المجلة؟ لماذا لا يحب الناس الكلمة الإلهية؟

(١) بسبب شرهم: قال الرب يسوع: «وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (يوحنا ١٩:٣).

(٢) بسبب كبريائهم: كان الوزير الحبشي متواضعًا حين سأله فيلبس المبشر: «ًلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟» فَقَالَ:«كَيْفَ يُمْكِنُنِي إِنْ لَمْ يُرْشِدْنِي أَحَدٌ؟». فيا له من تواضع! (أعمال الرسل ٣١:٨).

(٣) بسبب جهلهم: «لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ» (رومية ٢١:١).

(٤) بسبب إبليس الذي أعمى أذهانهم: «الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ» (٢كورنثوس ٤:٤).

خطورة إهمال كلمة الرب

كان على يهوياقيم الملك أن يكتب لنفسه نسخة من سفر الشريعة (تثنية ١٨:١٧)، لكنه أحرقها! وكان عليه أن يمزق ثيابه كما فعل أبوه (٢ملوك١١:٢٢) لكنه مزق الدرج!

لقد ذهب يهوياقيم، وبقيت كلمة الرب العظيم (إشعياء ٨:٤٠)، وماذا ينتظرهم بعد سوى الهلاك والضلال. قال الرب: «قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا» (هوشع ٦:٤). وقد أكَّدَ الرب قائلاً: «تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ» (متى ٢٩:٢٢).

عقوبات أصابت رافضي الكلمة

(١) عقوبات زمنية: «وَإِنْ رَفَضْتُمْ فَرَائِضِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُكُمْ أَحْكَامِي، فَمَا عَمِلْتُمْ كُلَّ وَصَايَايَ، بَلْ نَكَثْتُمْ مِيثَاقِي، فَإِنِّي أَعْمَلُ هذِهِ بِكُمْ: أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْبًا وَسِلُا وَحُمَّى تُفْنِي الْعَيْنَيْنِ وَتُتْلِفُ النَّفْسَ. وَتَزْرَعُونَ بَاطِلاً زَرْعَكُمْ فَيَأْكُلُهُ أَعْدَاؤُكُمْ. وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ، وَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يَطْرُدُكُمْ» (لاويين١٥:٢٦–١٧).

(٢) خسائر عائلية: «هَا قَدْ رَفَضُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ فَأيَّةُ حِكْمَةٍ لَهُمْ؟ لِذَلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لِآخَرِينَ وَحُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ...» (إرميا ١٠:٨).

(٣) فقد الوظيفة الزمنية: «لاًنَّكَ رَفَضْتَ كَلامَ الرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ الْمُلْكِ» (١صموئيل ٢٣:١٥)

(٤) نهاية مهينة مأساوية: مات يهوياقيم بن يوشيا ميتة مهينة، وغير كريمة، وضاعت كرامته كملك وتمت النبوة: «يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ مَسْحُوبًا وَمَطْرُوحًا بَعِيدًا عَنْ أبْوَابِ أُورُشَلِيمَ.» (إرميا ١٩:٢٢).

(٥) عقوبة أبدية: يومًا وذا قريب سيرى يهوياقيم الدرج الذي أحرقه عندما “تُفتح الأسفار”، وسيُدان معه الذين يشككون في وحي وصحة الكتاب، سيقفون أمام العرش العظيم الأبيض ويلمحون من بعيد آدم وابراهيم ويونان وغيرهم، وسيكتشفون أن قصصهم ليست أساطير لكنها الحق الخطير، أما هم فسيُطرحون في الظلمة الخارجية.

إن الكلمة التي رفضوها وأحرقوها هي ذات الكلمة التي تبهج البيت وتنير الدار، وهي التي تغير القلب، وتخلص الأشرار، هي التي تُحكم الكبار وتهذِّب الصغار، هي سراج لرجلي ونور لسبيلي. «لَيْتَكَ أصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلاًمُكَ» (إشعياء ١٨:٤٨).