إنجيل الله

في بلاد الهند والسند كان هناك رجل أعمال شهير يمتلك الكثير من المال له ابن وحيد، قرر الأب شراء سيارة رياضية حديثة لابنه الغالي، ولكن الشاب كان متهورًا، وفرح بالسيارة كثيرًا، وقرر الخروج بالسيارة لطريق سريع Highway ، في التجربة الأولى ضغط الابن بكل قوة على البنزين انطلقت السيارة بسرعة رهيبة وما هي إلا لحظات وانقلبت السيارة عدة مرات بسبب السرعة الزائدة، توفي الشاب فورًا، أما السيارة فقد تحطمت تمامًا، ولم يعد فيها شيء يعمل، حاولوا إصلاحها أو تبديل بعض قطع الغيار ولكن تقرير الشركة المصنعة بلهجة أهل الخليج «كله خراب، ما في شيء زين»، لا أمل في الإصلاح تحتاج «لسيارة جديدة تمامً»! هذه صورة مصغرة للفساد الكلي للإنسان!!

عزيزي القارئ: عرفنا في العدد الماضي أن الله بار (قدوس وعادل) في كل طرقه وطول الوقت، وهذه الحقيقة كانت مشكلة الإنسان الأولى والكبرى، واليوم سنناقش الحقيقة الثانية التي يعلنها إنجيل الله وهي: «فساد الإنسان الكلي» وهو مصطلح معروف بالإنجليزية Total depravity، وعلى الرغم من أن هذا المصطلح لم يرد بحصر اللفظ في الكتاب، ولكن الكتاب يصادق عليه إذ يعلن: «أن كل إنسان منا يولد بطبيعة ساقطة»!، الحقيقة هي أننا لسنا خطاة لأننا نرتكب الخطية، ولكننا نرتكب الخطية لأننا خطاة، فقد ولدنا بطبيعة فاسدة تمامًا ، ولهذا يمكن تعريف الفساد الكلي للإنسان بأنه: فشل الإنسان التام وعجزه الكلي عن الوصول لله بمجهوداته الذاتية؛ فهو ولد ميتًا بالذنوب والخطايا، وهنا السؤال: إذا كان اللاهوت الليبرالي ينادي بأن الإنسان يولد في حالة البراءة مثل آدم قبل السقوط وظروف الحياة والمجتمع هي من تشكله صالحًا أو فاسدًا، وينادي الفكر الأرميني بأن الخاطئ ليس فاسدًا تمامًا ولكنه مريض بالخطية ويحتاج إلى علاج لإصلاح حاله! هذا سيأخذنا بالطبع لفحص هذا الكلام في نور كلمة الله. لذلك دعنا نرى عزيزي القارئ ماذا يقول الكتاب:

الجميع خطاة من البطن: «زَاغَ الأَشْرَارُ مِنَ الرَّحِمِ. ضَلُّوا مِنَ الْبَطْنِ، مُتَكَلِّمِينَ كَذِبًا» (مزمور٥٨: ٣)، «فَإِنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَغْدُرُ غَدْرًا، وَمِنَ الْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِيًا» (إشعياء٤٨: ٨)، «هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور٥١: ٥)، ولقد أبدع مترجم «الكتاب الشريف» حينما ترجمها «أنا جئت إلى هذه الدنيا مذنبًا، وولدتني أمي خاطئًا»، وعلينا أن نعرف أن الفهم الصحيح للفساد الكلي لا يعني أن الإنسان سيء تمامًا وكل أعماله شريرة بالكامل، بل يعني أن الفساد الأخلاقي قد أصاب كيانه بالكامل جسدًا وفكرًا وإرادة، وتشوهت صورة الله داخله بشدة حتى أصبح عاجزًا عن الوصول لله بمفرده وبجهوده الشخصية!

الجميع فاسدون: يعلن الكتاب بكل وضوح أننا: «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِه» (إشعياء٥٣: ٦)، ويعلن بكل صراحة «ِإذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا» (رومية٣: ٢٣)، ويشير الكتاب أن الله بحث بنفسه وسط البشر لعله يجد من هو صالح فيهم! «اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (مزمور١٤: ٢، ٣)، بل لا يوجد أكثر وضوحًا من تقرير الرب يسوع نفسه عن البشر: «لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ» (لوقا١٨: ١٩)، وهذا يكفينا لكي نقتنع أن جميع البشر فاسدين!

الجميع متعدون: لقد جاهد الأنبياء في العهد القديم والمبشرين في العهد الجديد في توضيح فداحة الخطية في نظر الله وجرم الإنسان في كسر وصايا الله، وكانوا حريصين على فضح الخطية حتى ينزعج ضمير الخاطئ ويُبكت على خطاياه فيعود لله تائبًا، فالكتاب يقول صراحة: «كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي» (١ يوحنا٣: ٤)، ويشير الكتاب أكثر من ٣٢ مرة إلى أن الخطية تعدي على الله نفسه! «نَادِ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوق وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ، وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُم» (إشعياء٥٨: ١)، «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لاَ تَخْزَيْنَ مِنْ كُلِّ أَعْمَالِكِ الَّتِي تَعَدَّيْتِ بِهَا عَلَيَّ» (صفنيا٣: ١١)، لاحظ عزيزي القارئ أن الله هنا اعتبر أعمال الشر تعدي عليه شخصيًا! في العهد القديم تترجم كلمة تعدي في العبرية «عب» עָבַר `abar، بمعني تجاوز أو مر بجانب، أو تخطى، وفي اليونانية كلمة تعدي ἀνομία anomia أي بدون قانون! (انظر أيضًا يشوع ٧: ١٥؛ ١صموئيل ١٥: ٢٤؛ عزرا ٩: ١٤، عبرانيين ٨: ١٢؛ ٩: ١٥؛ ١٠: ١٧؛ يعقوب ٢: ٩، ١١؛ ٢يوحنا ١ :٩). ولا تنسَ عزيزي القارئ أن التعدي يتطلب دفع ثمن أو عقاب.

الجميع خطاة بالكامل: «لأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ لاَ يُخْطِئ» (١ملوك٨: ٤٦)، الحقيقة أن سقوط الإنسان في الخطية يلوث الإنسان بالكامل (جسد، نفس، إرادة)، فالجسد تنجس بفعل الفجور والشرور، وتنجس الذهن والضمير (تيطس١: ١٥)، وكذلك القلب والمشاعر (إرميا١٧: ٩)، وذلك بسبب رغبة الإنسان أن يتجنب الحياة مع الله «إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ، اَلَّذِينَ إِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّ أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ» (أفسس٤: ١٨- ١٩). لقد وصلنا لحالة: «تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ» (إشعياء١: ٥، ٦).

الجميع عاجزون: وأقصد بعاجزون بمعنى أن الإنسان أصبح عاجزًا عن الوصول لله بمفرده وبجهوده الذاتية لإرضاء الله والحصول على عفوه فالكتاب يقول صراحة في رومية ٨: ٧: «لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ ِللهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ، لأن الإنسان الذي فكره دنيوي هو عدو لله لأنه لا يطيع شريعة الله. في الحقيقة هو لا يقدر أن يطيعها» (ترجمة الكتاب الشريف)، بل يقول بكل وضوح في رومية ٣: ٢٣: «إذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ الله» والمقصود بأعوزهم مجد الله أي أصبحوا «عاجزون عن بلوغ ما يمجد الله»(الترجمة اليسوعية).

الجميع أموات بالخطايا: يعلن الكتاب المقدس صراحة أنه بدخول الخطية دخل الموت للعالم بصورة الثلاثة (الموت الجسدي – الموت الروحي – الموت الأبدي)، يالصعوبة الحالة التي وصل إليها الإنسان!!

المسيح مات من أجل خطايانا: هذا هو الخبر السار يا صديقي، لقد مات المسيح من أجلى ومن أجلك، ربما تكون حاولت كثيرًا أن تصلح من حالك أو أن تكون أكثر صلاحًا، يا عزيزي الفساد قد ضرب في عمق الكيان البشري ولا أمل في علاجه، أنت في حاجة لخليقة جديدة للولادة من فوق، تعال إلى الصليب دماء المسيح تطهرك وتكون في المسيح خليقة جديدة ليتك تفعل ذلك الآن!