بطرس وكرنيليوس

«كَانَ فِي قَيصَرِيَّةَ رَجُلٌ اسْمُهُ كَرْنِيلِيُوسُ، قَائِدُ مِئَةٍ مِنَ الكَتِيبَةِ الَّتِي تُدعَى الإِيطَالِيَّةَ. وَهُوَ تَقِيٌّ وَخَائِفُ اللهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، يَصنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً لِلشَّعبِ، وَيُصَلِّي إِلَى اللهِ فِي كُلِّ حِين».

كَرْنِيلِيُوسُ: معنى اسمه «مثل القرن»، وفي هذا رمز إلى القوة، والقوة الحقيقية هى في الله القدير، أما الإنسان الذي بدون المسيح فهو ضعيف جدًا، ترنم موسى وقال: «الرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي» (خروج١٥: ٢).

رَجُلٌ: والرجولة ليست في القوة الجسدية أو الشهامة، بل في الأمور الروحية، لأن الرب قال لشعبه: «كُونُوا رِجَالاً.. لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَر» (إشعياء٤٦: ٨، ٩)، أي لا يرتبطوا بالعبادة الوثنية، بل بالرب فقط، وقال بولس لمؤمني كورنثوس: «كُونُوا رِجَالاً» أي لا تتصرفوا مثل الأطفال وتعملوا أحزابًا في الكنيسة.

يسكن في قيصرية: وهي مدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وكانت مقرًا للحاكم الروماني، وكانت تتميز بمنشأتها الجميلة، وكان سكانها من اليهود والأمم، وكان يسكن فيها أيضًا فيلبس المبشر (أعمال٢١: ٨)، وذهب إليها الرسول بولس عدة مرات.

عمله: قائد مئة في الجيش الروماني، له سلطة على مئة جندي، يعطي لهم الأوامر، وهم ينفذون كل ما يأمر به، فكان ذو منصب كبير، وجاه وسلطة وغنى.

رجل أممي: أي ليس من شعب الله، وأغلف أي غير مختون (أعمال١١: ٣). وكان الأمم لا يعرفون الله، ويعبدون الأصنام، بما ارتبط بها من نجاسة وشرور (غلاطية٢: ١٥). لكنه ترك ظلمة الوثنية وارتبط بالله الحي الحقيقي، وعاش بمقدار النور الذي وصل إليه.

مِنَ الكَتِيبَةِ الَّتِي تُدعَى الإِيطَالِيَّةَ: على الأرجح أنها كتيبة متميزة بأن كل جنودها من إيطاليا وأيضًا بإنضباطها، فكان لها صيت حسن، وكانت الكتيبة في ذلك الوقت مكونة من ست مئة جندي ويرأسهم ستة من قواد المئات.

تقي: التقوى هي مخافة الرب، وتحتاج إلى تدريب (١تيموثاوس٤: ٧)، ولها مكافآتها في الحاضر والمستقبل (١تيموثاوس٤: ٨)، والتحريض لنا: «كُن فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ الْيَوْمَ كُلَّه» (أمثال٢٣: ١٧).

خَائِفُ اللهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ: كان لكرنيليوس تأثير مبارك على جميع بيته، وما أجمل البيوت التي يكون فيها الرجل تقي وكذلك كل بيته (تكوين١٨: ١٩).

يَصنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً لِلشَّعبِ: أي قدّم صدقات كثيرة لفقراء اليهود، المؤمن الحقيقي يحب العطاء (أعمال٢٠: ٣٥)، بينما الخاطئ محب لنفسه ومحب للمال (٢تيموثاوس٣: ٢)، قال الرب يسوع: «أَعطُوا مَا عِندَكُمْ صَدَقَة» (لوقا١١: ٤١).

«يُصَلِّي إِلَى اللهِ فِي كُلِّ حِين»: كان كرنيليوس ينفذ وصية الرب يسوع «يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلّ» (لوقا١٨: ١)، بالرغم أنه لم يسمعها منه، ليتنا نكون رجال صلاة.

رَجُلاً بَارًّا: هذه هى شهادة الرجال الثلاثة عن كرنيليوس قائدهم، والذين أتوا من قيصرية، وجميل أن يعيش المؤمن حياة البر العملي.

مَشْهُودًا لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةِ الْيَهُودِ: وهذا ما يجب أن يتوفر في كل مؤمن حقيقي بالمسيح، أن تكون له شهادة حسنة (أعمال٢٢: ١٢).

يرى رؤيا: «فَرَأَى.. مَلاَكًا مِنَ اللهِ.. قَائِلاً لَهُ: صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تَذْكَارًا أَمَامَ الله»، وهذا دليل أن كرنيليوس كان مولودًا من الله، لأن «ذَبِيحَةُ الأَشْرَارِ مَكْرَهَةُ الرَّبّ» (أمثال١٥: ٨)، لكن صلواته وصدقاته قُبلت أمام الله، كرائحة سرور قدام الله (مزمور١٤١: ٢).

لكنه لم يكن يعرف الخلاص كما هو مُعلَن في الإنجيل، لذلك أرسل الله إليه ملاكًا لكي يستدعي بطرس لكي يسمع منه عن الرب يسوع المسيح وعمله، فيؤمن ويخلص.

طاعة كرنيليوس: عندما قال له الملاك: «وَالآنَ أَرسِل إِلَى يَافَا رِجَالاً وَاسْتَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُس»، نجده في طاعة فورية، نَادَى اثنَيْنِ مِن خُدَّامِهِ، وَعَسكَرِيًّا تَقِيًّا مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يُلاَزِمُونَهُ، وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى يَافَا، جميل أن نطيع الرب فورًا (مزمور١١٩: ٦٠).

«هُوَ يَقُولُ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَل»، هذا يدل أن كرنيليوس كان ينقصه شيئًا هامًا ولا يعلمه، وهو حاجته إلى الخلاص لم يطلب منه الملاك أن يستدعي بولس الرسول، مع أن كرنيليوس أممي، وبولس رسول الأمم، بينما بطرس رسول الختان وأيضًا كان فيلبس المبشر يسكن في قيصرية، أي في نفس المدينة، لكن لم يطلب استدعائه، لكن يستدعى سمعان الملقب بطرس فقط، وليس غيره، وذلك لأن بطرس أخذ من الرب يسوع مفاتيح ملكوت السموات (متى١٦: ١٩)، ولقد فتح بطرس الباب لليهود في أعمال٢، وفتح للسامريين في أعمال٨، والآن كان لا بد أن يذهب هو إلى كرنيليوس الأممي لكي يفتح الباب للأمم.

الله يعمل في الوقت المناسب، ويستخدم أيضًا الخادم المناسب، وبالطريقة المناسبة. ثُمَّ فِي الْغَدِ خَرَجَ بُطْرُسُ مَعَهُمْ، وَأُنَاسٌ مِنَ الإِخْوَةِ الَّذِينَ مِنْ يَافَا رَافَقُوهُ، أطاع بطرس الرب وتحرك مع الرجال الثلاثة الأمم، من يافا إلى قيصرية، وبحكمة رافقه ستة من الإخوة المؤمنين اليهود (أعمال١١: ١٢)، ليكونوا شهودًا على ما سوف يحدث.

وَفِي الْغَدِ دَخَلُوا قَيْصَرِيَّةَ. وَأَمَّا كَرْنِيلِيُوسُ فَكَانَ يَنْتَظِرُهُمْ، لأنه حسب الوقت الذي سوف يأتي فيه بطرس بالتقريب، وترك كل الأعمال الزمنية، لكي ينتظر بطرس.

دَعَا أَنْسِبَاءَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ الأَقْرَبِينَ، لكي يسمعوا رسالة الإنجيل معه، وهذا ما فعله أيضًا لاوي (لوقا٥: ٢٩). وهذا ما يجب أن يفعله كل مؤمن يحب الرب والنفوس.

وَلَمَّا دَخَلَ بُطْرُسُ اسْتَقْبَلَهُ كَرْنِيلِيُوسُ وَسَجَدَ وَاقِعًا عَلَى قَدَمَيهِ، لم يكن مألوفًا أن قائد مئة روماني يقدم التحية لشخص غريب بالسجود له.

كان بطرس أمين للرب فرفض سجود كرنيليوس له، لأن السجود لله فقط، كما هو مكتوب: «لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحدَهُ تَعبُد» (متى٤: ١٠)، ولذلك أَقَامَهُ بُطْرُسُ قَائِلاً: «قُم، أَنَا أَيضًا إِنسَان»، أي أنا إنسان مثلك تحت الآلام.

إن ذهاب بطرس ورفقاءه إلى قيصرية، لكي يُكلم كرنيليوس الأممي ومن معه من الأمم عن الرب يسوع، كان حدثًا عظيمًا، ونتائجه كانت عظيمة جدًا، لأن الله استخدمه في فتح الباب لدخول الأمم إلى دائرة ملكوت السموات مباشرة، دون الدخول إلى اليهودية بفرائضها أو ممارسة الختان.

كان بطرس مطيعًا للرب في ذهابه إلى كرنيليوس الأممي، وكان حكيمًا في أخذ ستة من يهود يافا المؤمنين بالمسيح ليكونوا شهودًا على ما سوف يحدث، وكان أمينا لله في رفض سجود كرنيليوس له.

(يتبع)