أربعة أمور من كل مؤمن مطالب بها:
١- الإيمان بالإنجيل:
قال الرب يسوع - له المجد - في افتتاحية إنجيل مرقس هذا القول الرائع: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ» (مرقس١: ١٥). وهذا النداء موجَّه لكل إنسان بعيد عن الله أن يتوب عن شرِّه وعن خطاياه ويأتي إلى الله تائبًا معترفًا بخطاياه، مؤمنًا بكفاية عمل المسيح الكفاري لأجله على الصليب؛ ففي الحال ينال غفران الخطايا ويتمتع بالحياة الأبدية. وهنا يأتي هذا القول في صيغة الأمر ولكنه ليس أمرًا قسريًّا قهريًّا، بل هو أمرٌ يحمل معه بشارة سارة. لأن الرب قبلها يقول «قد كمل الزمان» وهذا ما قاله الرسول بولس بعد ذلك في رسالة غلاطية والأصحاح الرابع: «وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ» (غلاطية٤: ٤). فقد جاء من فيه كل مشورات الله ومن فيه الحل الوحيد لقضية الإنسان الكبرى.
٢- الكرازة بالإنجيل:
وهذا هو الأمر الثاني المطالب به كل مؤمن؛ فالمؤمن لا يقف عند حَدِّ الإيمان فقط، بل هو مطالب بأن يكرز بالإنجيل لكل من حوله وإن تقاعس المؤمن عن هذا الأمر فهذه جريمة لأنه كسر وصيّة، بل أمر إلهي فالرب يقول في نهاية إنجيل مرقس: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس١٦: ١٥). بكل أسف كثير من المؤمنين بعد أن يؤمنوا بالإنجيل يقفون عند هذا الحد ولا يكلموا أحدًا بالبشارة، وبينما الناس تهلك من حولهم كل يوم وتهوي إلى الجحيم، لا يتحرك لهم ساكنًا. ولكن هنا الوصية صريحة: «اكرزوا بالإنجيل». ولكن يوجد البعض أيضًا يكرز ولكن للأسف لا يكرز بالإنجيل بل يكرز بنفسه أي يكون هدفه من الكرازة هو تمجيد نفسه ولأجل ذاته، ولكن القول هنا صريح: الكرازة بالإنجيل. ويوجد قوم أيضـًا يكرزون بإنجيلٍ آخر، مثل الإنجيل الاجتماعي او إنجيل المعجزات هذا إنجيل زهيد. ولكن الإنجيل الصحيح هو ما كرز به بولس قائلًا: «وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ... أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ: وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ..» (١كورنثوس١٥: ١-٥) هذا هو الإنجيل الحقيقي. الذي يخلِّص.
٣- المحاماة عن الإنجيل
هذا هو الأمر الثالث أن ندافع عن الإنجيل ولا سيما في هذه الأيام التي كثرت فيها في المسيحية أمور كثيرة تبعد كل البعد عن حق الإنجيل، والتي يجب الانفصال عنها، بل التصدي لها بكل قوة؛ فبولس الرسول يقول لكنيسة فيلبي: «لأَنِّي حَافِظُكُمْ فِي قَلْبِي، فِي وُثُقِي، وَفِي الْمُحَامَاةِ عَنِ الإِنْجِيلِ»، ثم يردف قائلًا بعد ذلك عن الذين يخدمون: «أُولئِكَ عَنْ مَحَبَّةٍ، عَالِمِينَ أَنِّي مَوْضُوعٌ لِحِمَايَةِ الإِنْجِيلِ» (فيلبي ١: ٧، ١٧).
٤- العيشة بالإنجيل
هذا الوجه الرابع والأخير لتفاعلنا وتعاملنا مع الإنجيل وهو العيشة بالإنجيل وهذا ما قاله الرسول أيضًا لكنيسة فيلبي: «فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ» (فيلبي١: ٢٧). وهنا نرى الرسول يحض على العيشة كما يحق لإنجيل المسيح لقد كان أهل فيلبي يتمتعون بالجنسية الرومانية، وبلا شك كانوا يسلكون سلوكًا يتفق مع هذا المقام، ولكن هنا الرسول يلفت النظر إلى السلوك والعيشة ليس كما يحق للجنسية الرومانية، ولكن كما يحق لإنجيل المسيح كما ذكر لهم بعد ذلك أن سيرتنا هي في السماويات.
هذه هي الصورة الرباعية المتكاملة المطلوبة من كل مؤمن، وهذا هو الإنجيل المعاش في حياة كل مؤمن فينا. وهذه الصورة الرباعية نراها تنطبق تمام الانطباق على شخصية الرب يسوع المسيح كما هي واردة في الأناجيل الأربعة فكما أن المؤمن لابد أن يكون إنجيلًا معاشًا في أربع زوايا - كما أسلفنا - وهي الإيمان والكرازة والمحاماة والسلوك. هذا ما قدَّمه لنا البشيرين عن شخصية المسيح؛ فمتى يقدِّمه لنا كمن هو موضوع الإيمان بنبوات العهد القديم. ومرقس يقدِّمه لنا كمن هو الخادم الحقيقي والكارز، بل موضوع الكرازة. ولوقا يقدِّمه لنا النموذج الكامل للسلوك الصحيح. ويوحنا يدافع بشدة عنه كابن الله.
ليت الرب يعطينا معونة كي نكون إنجيلًا معاشًا في وسط عالم مملوء بالشر والفساد. لإلهنا كل الحمد. أمين