الامواج الصناعية

أثناء رحلتهم سويًا في أحد الفنادق بالقرب من شلالات نياجرا بكندا، طلبت الطفلة الصغيرة “نيللي” - صاحبة ال٦ أعوام - من أبيها، في براءة الأطفال، أن يتركها وحدها لتستمتع بالسباحة في الأمواج الصناعية الخاصة في حمام السباحة ظنًا منها أنها قادرة على السباحة بمفردها بعد أن تلقت القليل من دروس السباحة أثناء الصيف. وكنوع من التدريب والاعتماد على النفس وافق الأب على طلبها مع مراقبتها من قريب، لم تمضِ سوى ثوانٍ قليلة، حتى اشتدّت وارتفعت الأمواج الصناعية، ولم تعد الطفلة قادرة على مواجهتها بمفردها، وعندما بدأت المياه تُغطي رأسها صرخت من أعماقها: “يا بابا، أنقذني، أحتاج لمساعدتك” وبالفعل مد الأب لها يد العون لينقذها من الغرق.

ذكرتني حكاية الطفلة بقصة بطرس حين مشى فوق أمواج البحر الهائج، وعندما خاف وابتدأ يغرق صرخ إلى الرب، كانت طلبته خارج الصندوق، وطلبة غير معتادة، فمنذ التاريخ لم نسمع أن إنسانًا مشى على سطح الماء، فما أحلى وضع الثقة في الرب في زمن فيه أزمة ثقة، فالرب يسوع هو الوحيد الجدير بتلك الثقة.

أيضًا المرأة النازفة قامت بعمل غريب لم يفعله أحدًا قبلها إذ جاءت من وراء المسيح، ولمست هدب ثوبه وكانت ثقتها في محلها، إذ وقف نزيف الدماء وانتهى الداء وارتاحت من المعاناة والألم من الأطباء (مرقس٥)، لكن المدهش بعدها أن نرى الجموع قد أتوا حيث «وَضَعُوا الْمَرْضَى فِي الأَسْوَاقِ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا وَلَوْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. وَكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفِيَ» (مرقس ٦: ٥٦).

وعلينا أيها الأعزاء أن نثق في الرب، فهو قادر على كل شيء. وهل يستحيل على الرب شيء؟! واسمح لي بمشاركتك ببعض الأفكار

(١) السفينة في مواجهة الأخطار

إنها صورة لسفينة حياتنا، فقد نواجه تحديات مثل الأمواج العاتية، قد تكون في صورة مشاكل مادية، أو صحية، أو اجتماعية، وغيرها وبدلًا من الالتجاء للرب والاحتماء به، نهرب ونختبئ منه ظانين أنه خيال.

(٢) الرب فوق البحار

حيثما وُجدَ المسيح، هناك تغير، فالمشهد كله خوف ورعب، واضطراب حتى جاء المسيح قويًا ومنتصرًا ماشيًا على الماء، يا له من مشهد قوي وفارق، يملأ القلب بالطمأنينة والسلام فمهما علت الأموج يظل المسيح فوقها، ليتنا نثق فيه وفي سلطانه.

نادى علينا وبقي لينا مينا

ومرسى وشط وفلك نجاة

صرنا سفينة في يد أمينة

تعلى الموجة ونعلى معاه

(٣) الخوف وخطورة الأفكار

من أخطر السهام التي يرميها الشيطان سهم الخوف، فالتلاميذ بسبب خوفهم من اليهود أغلقوا الأبواب على أنفسهم، حتى ظهر الرب لهم. إيليا البطل خاف وهرب من إيزابل، بطرس خاف وتبع الرب من بعيد، كما خاف موسى. ليحفظنا الرب من الخوف وتبعياته ولنثق في الوعد: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، الْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ.» (إشعياء ٤١: ١٠، ١٣).

(٤) الأنا وبداية الانحدار

إن صرخة بطرس ومن ثم مشيه على الماء، جعلت منه شخصًا مُتميزًا ومُتفردًا على مدار التاريخ، لكن تكمن الخطورة حينما تتحول الأنظار من على شخص المسيح العاطي إلى العطية أو إلى الظروف المحيطة، لذا ليتنا نثبت أنظارنا فيه، كما نقول في الترنيمة:

ثبِّت أنظارك فيه

وحمولك سيبها عليه

وفي وادي ظل الموت

إرفع عينك تلاقيه

لكن جاء الوقت ووضع بطرس ثقته في نفسه، فما الذي حدث؟ قال للمسيح واثقًا وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك؛ وكانت ثقته العمياء في نفسه، سببًا في إنكاره لسيده.

(٥) نجدة من الانهيار:

ما أحلى القول: «ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به»؛ فما أسرع نجدة الرب لنا في ضيقاتنا وتحديات الحياة فمكتوب: «يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ» (مزمور ٩١: ١٥).

تذكر يا صديقي أن الرب ليس فقط معنا، لكنه معنا بيده القوية ممسكة بزمام الأمور وتحفظنا من الانهيار، فيا ليتنا نثق فيه، وفي سرعة نجدته، وفي قوة يديه وحكمته.

وسط المحنة بسرعة لمحنا

يسوع الحلو وجالنا قوام

قال في وعوده إن وجوده

تملي معانا أمان وسلام