كيف تكون فاشلاً؟

نستكمل معًا أحبائي الشباب في هذه السلسلة بعض الأفكار التي تساعدنا على النجاح والتقدم الروحي والإنساني. استعرضنا في الأعداد السابقة بعض الأسباب التي تؤدي إلى الفشل، والغرض من سردها التحذير منها والتنبيه على خطورتها. نصلي أن يساعدنا الرب فنبتعد عن هذه الأمور السلبية وتغيير المسار إلى الأمور الإيجابية.

غياب الهدف

إن كنت أبغي النجاح والتقدم فلا بد من وجود هدف أمامي أسعى إليه. لنفترض مثلاً أني بدأت في تشغيل سيارتي وهممت بالتحرك بها من شارع إلى آخر بدون هدف أو جهة معينة أتجه إليها، ماذا ستكون النتيجة؟ سأقطع مسافات واستنزف وقتًا، وأستهلك السيارة وأهدر ثمن الوقود، دون جدوى أو فائدة. وأخشى أن يكون هذا هو حال أحدنا.

الحياة تعبُر والوقت يُقضى والعمر يجري بدون تقدُّم أو غرض نسعى إليه. إن الحياة - وإن طالت - قصيرة «مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ» (يعقوب٤: ١٤). وذهن غير المؤمن مُظلم أدبيًا وبعيد عن حياة الله روحيًا. كذلك فكره بلا فائدة أو بلا هدف قيّم: «... كَمَا يَسْلُكُ ... بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ» (أفسس ٤: ١٧، ١٨).

إن أحد تعريفات الخطية هو عدم إصابة الهدف المُعطى للإنسان «إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ» (رومية٣: ٢٣)، التعبير هنا “أعوزهم” أي أنهم لم يحققوا أو يصلوا إلى الهدف المحدد.

إن وجود هدف للحياة هو أمر مطلوب ومهم لكل إنسان، لكنه أكثر أهمية وحيوية لكل مؤمن عرف الرب يسوع. فالشخص البعيد عن الله يعيش بلا هدف، وحتى إن وُجد هدف ما سيكون بلا قيمة لأنه هدف أناني أو على أحسن تقدير سيكون هدف أرضي بلا أي قيمة أبدية. على الشخص المؤمن أن يكون له الغرض والهدف الذي له قيمة أبدية هو مرتبط بشخص المسيح كما يقول بولس: «أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي ٣: ١٤).

تقول بعض الإحصائيات: إن خلال حرب اكتوبر ١٩٧٣، بسبب وجود هدف واحد اتحد الجميع عليه - وهو الانتصار على العدو واسترداد الأرض المسلوبة - قلّت بشكل ملحوظ معدلات الجريمة والقضايا في المحاكم. إن حياة الجندية تتميز بضبط النفس والابتعاد عن أي معطل يعوق تحقيق الهدف «لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ الْحَيَاةِ لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ» (٢تيموثاوس ٢: ٤). ولنا في شخص الرب يسوع كالإنسان الكامل أروع مثال، إذ يقول: «اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ؟ وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا أَتَيْتُ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ» (يوحنا ١٢: ٢٧). كان الهدف واضحًا وجليًا أمام عينيه: أن يذهب إلى الصليب ليتمم مقاصد الآب خاضعًا لإرادة الله. ويشجعنا الرسول أن ننظر إلى شخص المسيح في هذا الأمر عينه، حياة الإيمان وتتميم مقاصد الله.

فما هو هذا الهدف؟

أولاً هدف عام: ملح ونور (متى ٥: ١٣ -١٦).

الملح: لقد شبَّه الرب المؤمن بالملح، والملح يُصلح الطعام، ويمنع انتشار الفساد، وينشئ العطش، كذلك المسيحي يضيف طعمًا خاصًا للمجتمع، ويكون كمادة حافظة من انتشار الشر، ويجعل الآخرين يشتاقون إلى البر. والمُلاحظ أن للملح خاصية واحدة، وهي نكهته! فإذا فقد الملح نكهته لن يصلح لأي شيء، فيُطرح وتدوسه الأقدام. أن للمؤمن وظيفة واحدة رئيسية - أن يكون له ذلك الطعم الحريف الزاعق. لكن للأسف فضل البعض مهادنة العالم، والاستحواذ على رضا الناس، فتشبه المؤمنين بأهل العالم - ففقد الملح ملوحته. لا بد أن يكون هناك اختلاف أدبي واضح بين المسيحي وغيره، حتى لو كره الناس ذلك.

النور: إن الرب يدعو المؤمنين أن يكونوا نورًا، كما أن الرب نفسه هو: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ» (يوحنا ٨: ١٢). فالرب يسوع هو مصدر النور والمؤمن هو انعكاس هذا النور للعالم، تمامًا كما يعكس القمرُ بهاءَ الشمس في ظلام الليل. وهنا يحذرنا الكتاب من أمرين يمنعا ضياء النور في العالم:

أولاً المكيال (متى ٥: ١٥) إشارة إلى الانشغال بأعمال الحياة اليومية وإهمال دورنا كنور.

ثانيًا السرير (لوقا ٨: ١٦) إشارةً إلى أن الكسل والتراخي في الحياة يؤثران سلبًا على شهادتنا كنور وسط ظلمة العالم.

إن غرض الله لكل مؤمن أن يشهد بحياته عن شخص المسيح. إن التغيير الذي يُنشئه الإيمان بالرب يسوع كمخلِّص في الحياة والسلوك والتوجهات لا بد أن يكون واضحًا للآخرين. إن الحياة قبل الإيمان تُعاش في الجسد لأجل شهوات الناس، أما بعد الإيمان فهي تُعاش لإرادة الله (١بطرس ٤: ٣). وهذا التغيير يجعل أهل العالم يستغربون عدم مجاراة المؤمن لغير المؤمن في الركض وراء الشهوات والأمور الرديئة (١بطرس ٤:٤).

وحياة لوط تُعبِّر بوضوح عن هذه الفكرة، إذ تشابهت حياته أدبيًا بحياة أهل سدوم وعمورة، ففشل أن يكون ملحًا يمنع الشر، وفشل أن يكون النور الذي يضئ للآخرين ليقودهم إلى طريق الخلاص. فما أقساها عبارة عن كيف رآه أصهاره عندما حاول إقناعهم بأن الهلاك وشيك: «فَكَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ» (تكوين ١٩: ١٤).

كما كان المسيح مُرسل من الله، هكذا نحن أيضًا مرسلون منه لنكون مُمَثلين له أمام العالم. «… كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا» (يوحنا٢٠: ٢١). ما أعظمه امتياز أن نكون مُرسلين من المسيح لنشهد عن شخصه، وعن عمله.

السؤال: هل حياتك تعكس نور المسيح؟ هل حياتك تُظهر صفات المسيح الأدبية؟ أم أن هناك معطلات في حياتك تعيقك أن تكون نور وسط الظلام وتعطل غرض الله من حياتك؟ إن الرسول بولس يحرضنا قائلًا: «وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ، بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا. لأَنَّ الأُمُورَ الْحَادِثَةَ مِنْهُمْ سِرّاً ذِكْرُهَا أَيْضًا قَبِيحٌ. وَلَكِنَّ الْكُلَّ إِذَا تَوَبَّخَ يُظْهَرُ بِالنُّورِ. لأَنَّ كُلَّ مَا أُظْهِرَ فَهُوَ نُورٌ. لِذَلِكَ يَقُولُ: اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أفسس٥: ١١- ١٤).

نصلي أحبائي الشباب أن يساعدنا الرب نترك أي أمور معطِّلة للنور، وأن نتوب ونرجع عن أي علاقات تعيق سريان حياة المسيح فينا. صلاتي أن يُحقق الرب غرضه من حياة كل واحد فينا أن نكون ظاهرين أننا رسالة المسيح معروفة ومقروءة من جميع الناس.