جون د. روكفيلر وُلد في ٨ يوليو ١٨٣٩ وتوفى عن عمر ٩٨ سنة يوم ٢٣ مايو ١٩٣٧ هو مؤسس شركة ستاندرد أويل. جمع ثروة لا تقل عن مليار دولار في عام ١٩١٦، وعندما توفي في عام ١٩٣٧، قُدِّرت ممتلكاته بنحو ٣٤٠ مليار دولار بالقيمة الحالية فقد كان في يوم من الأيام أحد أثرياء الدنيا في ذلك الوقت، ويُعَدّ أول ملياردير في الولايات المتحدة، إن لم يكن أغنى رجل على مر العصور بحسب تصنيف فوربس.
في سن ٢٥، كان لديه واحدة من أكبر شركات تكرير البترول في الولايات المتحدة. كان عمره ٣١ عامًا عندما أصبحت أكبر شركة لتكرير البترول في العالم. في سن ٣٨، سيطر على ٩٠٪ من نفط الولايات المتحدة. في الخمسين من عمره صار أغنى رجل في أمريكا.
ولكن في عمر ٥٣، أُصيب بوعكة صحية جعلت جسده بالكامل مشبَّعًا بالألم، وسقط كل شعره. في عمق ضيقته، كان يمكن للبليونير الوحيد في العالم شراء أي شيء يريده، ولكن لا يقدر أن يتناول سوى الحساء والمقرمشات.
وفقًا لشهادة زوجته، “لم يستطع النوم، ولم يبتسم، ولا شيء في الحياة كان يعني له أي شيء”. أشار أطباؤه الشخصيون، المدرَّبون تدريبًا عاليًا، أنه سيموت خلال العام (ولا يعلمون أنه سيعيش أكثر من ٤ عقود أخرى). مَرَّ ذلك العام ببطء مؤلم. وهو يشعر بالاقترب من الموت، استيقظ ذات صباح مع خاطر بسيط يهمس في أذنيه بصوت خافت بأنه لن يكون قادرًا أن يأخذ أي شيء من ثروته الهائلة معه إلى العالم الآخر.
أدرك هذا الرجل ذو النفوذ المادي الكبير والذي يمكنه التحكم في النظام التجاري العالمي أن حياته تتفكك كعقد فُرطت حباته. أبلغ محاميه ومحاسبيه وإدارته أنه يعتزم تخصيص أصوله للمستشفيات والبحوث والعمل الخيري. بدأ روكفلر مؤسسته التي قامت بتمويل بحث البنسلين الذي قام به هوارد فلوري وزميله نورمان هيتلي عام ١٩٤١. ولكن يمكن القول إن الجانب الأكثر إثارة للدهشة في قصة روكفلر هو أنه عندما بدأ في إعادة جزء صغير من كل ما اكتسبه، تغيرت كيمياء جسده بشكل كبير، وتماثل للشفاء.
كان من المتوقع أن يموت عن عمر يناهز ٥٣ عامًا، لكنه تعافى وعاش حتى بلغ ٩٨ عامًا. تعلم روكفلر الامتنان والاكتفاء واستعاد الجزء الأكبر من أمواله.
قضى روكفلر الكثير من السنوات الأربعين الأخيرة من حياته في التقاعد في كيكويت، في مقاطعة ويستشستر، نيويورك، وكان له دور بارز في تشكيل هيكل العمل الخيري الحديث، بجانب رواد الصناعة الآخرين أمثال أندرو كارنيجي.
استُخدمت ثروته بشكل رئيسي لتأسيس النهج الحديث للأعمال الخيرية المستهدفة من خلال إنشاء المؤسسات التي تدعم الطب والتعليم والبحث العلمي. كانت مؤسساته رائدة في التطورات في البحوث الطبية، وأفادت في القضاء على الحمى الصفراء في الولايات المتحدة.
كان روكفلر مؤسِّس جامعة شيكاغو وجامعة روكفلر، ودعم ماديًا إنشاء جامعة الفلبين المركزية في الفلبين. لكن الجانب الذي لا يعرفه العالم، ولا يذكره التاريخ كثيرًا، هو أنه أعطى حياته للرب يسوع المسيح وعاش مؤمنا أمينًا والتزم بالامتناع التام عن الكحول والتبغ طوال حياته.
كانت زوجته، لورا سبيلمان روكفلر معينة ومشيرة حكيمة له وكان لهما أربع بنات وابن. كان رجل صلاة مُخلِصًا في عمل الله في كنيسة إيري ستريت المعمدانية، وقام بالتدريس في مدرسة الأحد، كان إيمانه يوجّه مسار حياته، وكان يؤمن أنه مصدر نجاحه.
قبل رقاده، كتب في مذكراته: “علمني الله أن كل ما امتلكه يخصه لا يخصني، وأنا لست سوى قناة لإتمام مشيئته. كانت حياتي مجرد رحلة طويلة وسعيدة منذ ذلك الوقت الذي أدركت فيه لمن أنا؛ حياة مليئة بالإنجازات والتعزيات، ألقيت همومي عليه فبدَّد مخاوفي، وكان الله رائعًا بالنسبة لي كل يوم”.
ما نتعلمه من هذه القصة أن الله يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون وأن الرب له طريق في حياة الأغنياء أيضًا، رغم أن محبة المال طالما سادت على حياة الكثيرين من الأثرياء لكن النعمة تجد طريقها إلى كل إنسان.
تنبَّه روكفلر عندما ضاقت حياته وعَلِمَ أن الموت قريب؛ فرفع عينيه للسماء ولم ييأس، بل استفاد من الفرصة التي استثمر فيها الرب آلامه المؤقتة في الزمان وظروفه الصحية وأوجاعه الجسدية من أجل الفوز بأعظم الارباح الأبدية. يا للتحول الخطير في حياة هذا الملياردير الكبير الذي تجاوب مع دقات ناقوس النعمة وهو يلفت انتباهه إلى ذلك الحق الخطير الذي أعلنه الرب يسوع المسيح «لاًنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ ًاوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟» (مرقس ٨: ٣٦، ٣٧).
كان غنيًا حكيمًا لما أدرك أن العمر قصير وخيراته الكثيرة الوفيرة لن تكون معه في الأبدية، ولم يكن غبيًا مثل الذي قال لنفسه: «يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!» (لوقا ١٢: ١٩).
كان روكفلر حكيمًا أيضًا حين قرر ألا يكنز لنفسه ويستثمر خيرات وبركات الرب الزمنية له من أجل خير الآخرين؛ فمن عاش أنانيًا لذاته ساعيًا أن يترفَّه متنعِّمًا لن يكون هانئًا بما له إن لم تعمل نعمة الله فيه وتجتذبه للرب فيتعلم العطاء فيتذوق طعم الهناء مختبرًا قول الرب يسوع: «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ ًاكْثَرُ مِنَ الاًخْذِ» (أعمال ٢٠: ٣٥).
قال جي كنج:“كلّ ربح مالي، وكلّ ربح مادي، وكلّ ربح جسدي، وكلّ ربح ثقافي، وكلّ ربح أدبي، وكلّ ربح ديني؛ هذه جميعها ليست ربحًا على الإطلاق، مقارنة مع الربح العظيم (ربح المسيح)”.
كان زكا غنيًا وكان لاوي العشار أيضًا غنيًا عندما سمع كل منهما دعوة المسيح، ترك كلّ شيء وتبعه، الأمر الذي صار له بمثابة ربح أبديّ لا يُقارَن بكل مكاسب ومغانم الزمان. طاعته الفورية غير المتردِّدة التي قد تبدو في هذا الوقت تضحية عظيمة، لكنّها في الأبدية لا تُرى أنّها تضحية بالمرة. كما قال المرسَل الأمريكي جِم إيليوت:“ ليس غبيًّا من يعطي ما لا يمكن أن يحتفظ به، لكي يربح ما لا يمكن أن يخسره”. أي ربح يضاهي ربح المسيح وأي شرف كشرف تبعية السيد العظيم.