بأقلام القراء


الفساد الكلي للإنسان وعجزه التام

‎كان الخط الفاصل اختياره، فلم ينغمس في لذة الأرضيات، ولم يغمره فيضان الروح.

‎قرَّر أن يُمسك العصا من منتصفها، وأضاع الكثير من وقته للوقوف على النقطة الفاصلة.

‎تردد بين الأبيض والأسود ‎فلبس أبيض به نقاط سوداء ‎دَوَّن أسمه في الفرقتين وظل يعرج بينهما.

‎لكنه لم ينتمِ لواحدة منهما. ‎رافق من الفريقين، وعرف لغة كلاً منهما جيدًا، ‎ولكن عند افتتاح فمه تمتزج اللغتان وتفقد أي تفرد، ‎تختلط كلاً منهما في الأخرى وتصبح بلا معالم؛ ‎فيكون الكلام هزيلاً، سفيهًا، أرضيًا، لكنه مغلف ببريق الروحانية. ‎يقف في المنتصف كعادته، بلا أي انتماء أو هوية واضحة ‎مولّيًا صدره للفرقة الأولى وظهره للفرقة الثانية.

‎وبالرغم من ارتدائه ذات القميص الأبيض بنقاط سوداء. ‎لكنه يظهر للأولون أنه مثلهم مع بعض الضعف والأخطاء، وللآخرين أنه يشبههم في كل شيء، ولكن مع بعض التحفظ والتدين، وهذا لا يضر.

‎ولكنه لا يكتفي بذلك، فعنده وصف يردده عن كل فرقة للأخرى؛ فانتقاده لمن هم أقصى اليسار أنهم منحلّون متسيِّبون، ومن هم أقصى اليمين أنهم متعسفون ذوي آفاق ضيقة. ‎يُضحي بأي شيء ليضمن رضا الاثنين!

‎يرى ميزة لكل فريق، ويشعر بالرضا لأن له كل الامتيازات. ‎يتأسف لمن لم يجرب جاذبية الأسود، ويُرثي لمن حُرِمَ من سطوع الأبيض. ‎فهو محظوظ لحصوله على كليهما في ذات الوقت، فهو الوحيد القادر أن يجمع بينهما، ويشعر بالفخر لاختياره الحيادي الغائب عن الجميع عداه.

‎ظل يتأرجح بين الفرقتين ‎ومضت الأيام ‎حتى جاءت لحظته الأخيرة ‎وعندها، لم يعرف لأيٍّ من الفريقين سيكون انتسابه؟

‎وبعد النظر في جانبي حياته، لم يجد سوى شيء واحد فقط قد غاب عن أذهانهم، وهو أن بالرغم من وجود الاختيارات بوضوح أمامه..

‎إلا أنه أختار الأبيض الملطَّخ بالسواد.

ناردين نادي - عين شمس