ظهورات المسيح

إن قيامة الرب يسوع من الموت وظهوره، أساس الإيمان المسيحي، حيث ظهر للاثني عشر وأكثر من خمسمئة أخ. فحق إلهي أن يقيم الرب نفسه، ومجد الآب اقتضى إقامة ابن محبته دون أن يرى جسده فسادًا (رومية٦: ٤). والروح القدس هو الفاعل الإلهي لتنفيذ المشيئة الإلهية (١ بطرس٣: ١٨).

تكلمنا في العدد السابق عن ظهور الرب في المرة الأولى لمريم المجدلية. والآن سنتناول الظهور الثاني والثالث.

الظهور الثاني: للمريمات

«وَبَعْدَ السَّبْتِ... فَخَرَجَتَا سَرِيعًا مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ، رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ. إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمَ». فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ. فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لاَ تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي» (متى٢٨: ١ – ١٠).

لتخبرا تلاميذه: الفداء قد أُنجز، والله راضٍ بما أتمه ابنه إذ أقامه من بين الأموات. وهذا دليل قوي على إنه كان: «لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِين» (متى ٢٠: ٢٨).

وبعد السبت: أي يوم الأحد، انقضى سبت اليهود. وها هي حقبة جديدة قد بدأت.

ملاك الرب: القبر فارغ والجسد قد فارقه. فقط ليسمح للنساء والتلاميذ أن يدخلوا.

ليس هو ههنا: لقد قام الرب في الساعة التي حددها وترك القبر فارغًا إلى الأبد.

خرجتا سريعًا: الفرح والخوف منحا المرأتان أجنحة وهما تتسارعان لنقل النبأ السار كما قال لهم: «وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيل». (متى٢٦: ٣٢).

يسوع لاقاهما: ليس القبر الفارع ولا كلمهما الملاك فقد، بل أمكنهما أن تريا الرب نفسه.

الظهور الثالث: لبطرس

سنتأمل في شخصية بطرس من أربع نواحٍ: بداية الإنكار، ثم الإنكار، فرد النفس، واستكمال العلاج.

بداية الانكار

«وَكَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيد» (مرقس١٤: ٥٤). «وَلَمَّا أَضْرَمُوا نَارًا فِي وَسْطِ الدَّارِ وَجَلَسُوا مَعًا، جَلَسَ بُطْرُسُ بَيْنَهُمْ. فَرَأَتْهُ جَارِيَةٌ جَالِسًا عِنْدَ النَّارِ فَتَفَرَّسَتْ فيهِ وَقَالَتْ: وَهذَا كَانَ مَعَهُ» (لوقا ٢٢: ٥٥؛ ٥٦).

الإنكار

«فَأَنْكَرَ قَائِلاً: لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ» (مرقس ١٤: ٦٨). «وَبَعْدَ قَلِيل رَآهُ آخَرُ وَقَالَ: وَأَنْتَ مِنْهُمْ» فَقَالَ بُطْرُسُ: يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَنَا» (لوقا ٢٢: ٥٨). «فَأَنْكَرَ أَيْضًا. وَبَعْدَ قَلِيل أَيْضًا قَالَ الْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: حَقًّا أَنْتَ مِنْهُمْ، لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضًا وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ. فَابْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْه» (مرقس ١٤: ٧٠، ٧١).

رد نفسه

نظرة الرب: «فَالْتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ الرَّبِّ، كَيْفَ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّات» فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا» (لوقا ٢٢: ٦١، ٦٢). لم ينسَ سيدنا تبارك اسمه تلميذه الساقط رغم ما كان يحدث، لكنه فكَّر فيه ونظر إليه، وكانت الدموع الحارة بداية ذلك السمو الشامخ الذي وصل إليه فيما بعد.

«لكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُم». (مرقس ١٦: ٧). لو كان الملاك قال لهن اذهبن وقلن لتلاميذه فقط لكان بطرس ظن أنه لا يستحق لأن سقطته كانت شنيعة. لكن الرب يذكِّره بأنه لا يزال يحبه وأنه غالٍ وكريم ولا يمكن أن تقل قيمته على الرغم من سقوطه.

«وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَان» (لوقا ٢٤: ٣٤). «وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَر» (١ كورنثوس ١٥: ٤، ٥).

ظهر الرب لبطرس بطريقة لا نعرف تفاصيلها؛ ليزيل حزنه ومخاوفه وليُظهر له المحبة وأنه عند وعده: «أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي» (متى ١٦: ١٨). فهو ليس إنسانًا فيكذب. ولا ابن إنسان فيندم.

استكمال العلاج

«بَعْدَ هذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هكَذَا: كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ، وَابْنَا زَبْدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ» (يوحنا ٢١: ١، ٢).

مرة قال بطرس للرب: «وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا» (متى٣٦: ٣٣). بطرس أنكر وفي المرة الأولى عالج ضميره. لكن علاج بحيرة طبرية لقلبه الذي خدعه وجعله يثق في ذاته أكثر من هؤلاء. وفي ذات الوقت أظهر الرب رد نفسه للخدمة التي أفرزه لها حيث جعله صيادًا للناس ورسولًا للختان. وبذلك رد له اعتباره أمام إخوته.

«أتحبني؟»

في المرة الأولى أوكل له الرب إطعام خرافه (حسب حالتهم الروحية وإدراكهم الذهني). وفي المرة الثانية قال له: «ارع غنمي» (الكبار من قطيعي). وفي المرة الثالثة قال له: «ارع غنمي (أطعم حملاني)». وها هو بعد رد نفسه واسترداد شركته ويقوم بإطعام الحملان والغنم. لذا يكتب في رسلته الأولى للشيوخ: «ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ، بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ، بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ. وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى» (١ بطرس ٥: ٢–٤).

صديقي: كل ما كُتب فلأجل تعليمنا. فأمامنا شخص: شك وأنكر ولعن. لكنه ندم وبكى بكاءً مُرًّا. فرحمة الرب لا تنتهي بشرط أن نحزن ونتوب.