كان ممكن ربنا يعمل غير كده

تحدثنا في المقال السابق عن حيرة الكثيرين ممن يجتازون في ضغوط شديدة، وسؤالهم عن حكمة الله في أنه فعل هذا الأمر. ويتساءل البعض الآخر، ألم يكم من الممكن لله أن يعمل الأمور بشكل غير ذلك؟ كما تساءل مرة أيوب قائلاً: «حَتَّى مَتَى لاَ تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلاَ تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي» (أيوب١٩:٧).

وأحياناً نُشبه، إلى حد كبير، نعمان السرياني، الذي رسم خطة لأليشع حتى يشفيه، قائلاً: «هُوَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَيَّ وَيَقِفُ وَيَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِهِ وَيُرَدِّدُ يَدَهُ فَوْقَ الْمَوْضِعِ فَيَشْفِي الأَبْرَصَ» (٢ملوك ١١:٥)، وعندما لم يفعل إليشع كذلك غضب نعمان.

صحيح قد لا نجد إجابة محددة في تجاربنا لماذا فعل؟ أو لماذا لم يفعل؟ لكننا في كلمة الله نجد ما يريح قلوبنا حتى يأتي اليوم الذي فيه سنفهم كل شيء.

أولاً: لماذا أنا بالذات؟

لكل منا برنامج إلهي في تشكيل وتدريب نفوسنا. فنحن أواني خلقها الله لمجده «وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُه» (إشعياء٧:٤٣). وحتى نكون كذلك، فكل منا يحتاج إلى تشكيل وتنقية وإعداد، يتناسب مع المهمة التي وضعنا لأجلها إلهنا. وحيث أننا كأفراد يختلف أحدنا عن الآخر، في شخصيته وتكوينه وميوله، لذلك يختلف أسلوب تعامل الله مع كل منا. فالطريقة التي شكَّل بها الله يعقوب تختلف تمامًا عن داود أو بطرس وغيرهم. حتى أن بطرس عندما أراد أن يفهم ما سيحدث ليوحنا وطريقة موته، كانت إجابة الرب له: «إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ فَمَاذَا لَكَ؟ اتْبَعْنِي أَنْت» (يوحنا٢٢:٢١).

ثانيًا: الله يفعل كل شيء بحكمة

لا يمكن أن الله الحنان يؤذينا! صحيح يؤدب ويشكِِّل، لكن ليس للانتقام أو الأذى، بل لخيرنا، فهو الأب المحب الحكيم الذي يهدف لتحقيق أمور رائعة فينا وبنا. يكتب بولس للعبرانيين عن تأديب الله أبينا لنا قائلاً: «وَلَكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ، بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيراً فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَم» (عبرانيين١١:١٢).

وهناك أمور وظروف كنا نود أن الله يتداخل ويفعلها بالطريقة التي رسمناها في أذهاننا. وشكرًا للرب أنه لم يفعل كذلك، فبعد فترة اكتشفنا أنه من الأفضل لنا أن الله الحكيم لم يفعل كذلك كما رسمنا له! نعم كما قال المرنم: «مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْت» (مزمور٢٤:١٠٤).

ثالثًا: في وقته سيفعل

من أصعب الدروس التي يريد الرب أن يعلمنا إياها، هي التوقيت الإلهي. الله يعمل بحكمة، وأيضًا بتوقيت دقيق، لا يتأخر ولا يتسرع فيه، فلقد قال مرة: «أَنَا الرَّبُّ فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِه» (إشعياء ٢٢:٦٠). لقد كنا نتوقع، حسب السيناريو البشري، أن الرب لا بُد وأن يُسرع لإنقاذ الفتية من أيدي من يقيدوهم وقبل أن يلقوهم في أتون النار، لكن الرب لم يفعل!! بل انتظر حتى النهاية. وبعد أن دخلوا هؤلاء الفتية أتون النار وظهر الرابع شبيه «بابن الآلهة»، حسب تعبير نبوخذ نصر، في تلك اللحظات أظهر الرب مجده وعظمته، بل وإكرامه لأتقيائه. فقط نحتاج أن نتعلم الدرس الذي قاله داود لنفسه: «إِنَّمَا ِللهِ انْتَظِرِي يَا نَفْسِي، لأَنَّ مِنْ قِبَلِهِ رَجَائِي» (مزمور٥:٦٢).

رابعًا: يعطي معونة ونعمة

صحيح قد لا يعمل الرب ما كنا نتوقعه ونخطط له أو ننتظره من الرب وقت ضغوطاتنا، لكن يعطي أروع مُسكِّن للألم ومشجعات في الضيق. عندما جاء بولس إلى الرب وتضرع في ظروف آلامه والشوكة التي أصابته، قال له الرب: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَل». هذه النعمة جعلته فرحًا راضيًا، فلم يسأل لماذا فعلت أو لم تفعل، بل تشجع قائلاً: «فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيح» (٢كورنثوس ١٠،٩:١٢).

خامسًا: هل من المعقول أن نحاكم الله؟

نعم أن الله ليس بديكتاتور وهو لا يغضب عندما نسأله، لكن ليس من اللياقة أن نتطاول عليه، ونحاول أن نضعه في قفص الاتهام! فلا ننسَ أننا تراب قاصرين في فهمنا وكما قال صُوفر النعماتي لأيوب: «أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي» (أيوب٧:١١). الرسول بولس في مُحاجاته مع أولئك الذين يريدون أن يتطاولوا على الله يقول لهم: «بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هَكَذَا» (رومية٢٠:٩).

ما أروع المثال الكامل، ربنا يسوع المسيح، الذي في أيام تجسده، ووقت خذلانه من الناس وفي أصعب الأوقات، رفع قلبه للآب قائلاً له: «نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَك (متى٢٦:١١). لم يعترض لأن الآب فعل أو لم يفعل له، بل كان قانعًا بمحبة الآب وحكمته لذا كان يسلم لمن يقضي بعدل. نعم قد نحتاج أن نسأل الآب ونفهم منه ونسكب شكوانا وآلامنا، وهو يريدنا أن نسكب قلوبنا أمامه، لكننا نحتاج أيضًا أن نثق في محبته وحكمته وننتظر بسكوت خلاص الله، ففي وقته يسرع به.