سن الطفولة له سماته المقبولة فيه وحده. فمثلاً طفل عمره ٦ شهور بياكل عن طريق الببرونة (زجاجة الرضاعة) دا شيء مقبول وعادي، دا يمكن أهله يحتفلوا بأول مرة يستعملها هو بنفسه، ويصوروه عشان يسجلوا اليوم التاريخي. لكن إن مرت ٦ سنين وهو لسه بيستعملها وبيتغذى ع اللبن فقط، فيبقى فيه حاجة غلط أكيد، وأهله مش هيبقوا فرحانين بالعكس هيحزنوا. بيسموها “طفولة متأخرة” وتُعتبر سبب إزعاج شديد ليه وللي حواليه.
نفس الفكرة في الروحيات. فإنه يتقال لمؤمنين لسه متعرفين بالرب حديثًا «كَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِه» (١بطرس ٢: ٢)، ده أمر طبيعي لمؤمن جديد. لكن لما يتقال لمؤمنين بقالهم فترة: «(مع أنه) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ (لكنكم) تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ، لاَ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ... وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِين» (عبرانيين٥: ١٢)، فده الوضع اللي واضح من الآية إنه مش مقبول. ميقصدش بكلمة «أطفال» إن عدد سنينهم في الإيمان قليل؛ فيه ناس من أول ما بتعرف الرب رجالة معاه مش أطفال، زي اللي كان أعمى في يوحنا ٩؛ كان بطل وهو بيثبت مين هو المسيح بعد أيام من فتح عينيه. ولا يقصد محدودية الطفل وعجزه قدام حاجات معينة؛ العجز ما بيعوقش ربنا يتكلم لينا. لكن بيقصد شوية حاجات مزعجة في الطفولة الروحية بيكشفها لنا الكتاب.
مشكلة تغذية
اسمع مثلاً اللي بيقوله بولس للمؤمنين في كورنثوس: «وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ، (والنتيجة:) سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ طَعَامًا، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الآنَ أَيْضًا لاَ تَسْتَطِيعُون» (١كورنثوس٣: ١-٢). وطبعًا يقصد الطعام الروحي؛ فالطفل روحيًا ما يعرفش يفهم أمور الله العظيمة، وبيكتفي بالقشور منها؛ والمشكلة أنه في الأمور التافهة أستاذ. تلاقيه ما يعرفش اللي ليه في المسيح، ولا يحب يقضي وقت مع الرب. بينما هو في السوشيال ميديا مقيم، وفي كل متع فانية خبير. اسأله عن السِفر الفلاني في الكتاب ما يعرفش يوصل ليه، إنما اسأله عن اللاعب العلاني تلاقيه حافظ كل تفاصيل حياته. مالهوش شهية للأكل من كلمة الله، ما يحبش يتعب نفسه في دراستها. غاوي “رمرمة” في أمور ماتساويش. والنتيجة مفيش تمييز وحكم صح ع الأمور، وبالتالي بيوقع نفسه في مواقف محرجة أو مشاكل. ومتسألش عن سقوطه قدام التجربة لأنه من غير سلاح في المعركة الروحية. على طول واقع.
مشكلة أفضليات
والطفل روحيًا بيعيش يومه وراء رغباته وبس. صعب قوي تقنعه يفكر في النتايج أو في بكره. قارن معايا مقارنة سريعة بين شمشون وموسى. لما شمشون حب يتزوج من واحدة الناموس بيقول ميتجوزهاش لأنها ممكن تبعده عن الرب، قال لوالديه «قَدْ رَأَيْتُ امْرَأَةً... فَالآنَ خُذَاهَا لِيَ امْرَأَةً... لأَنَّهَا حَسُنَتْ فِي عَيْنَيّ» (قضاة١٤: ٢-٣). مجرد إنه شافها نشأت عنده الرغبة إنه يتجوزها فورًا!! أما موسى فيتقال عنه «أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» (عبرانيين١١: ٢٥-٢٦). والقصتين مش محتاجين تعليق. الطفل الروحي همه «ينبسط» وبس، بغض النظر عن النتايج، ومن غير اعتبار للأبدية تمامًا. وكام قرار اتاخد لمجرد تحقيق المتعة، ونتايجه كانت مرار.
مشكلة مركز
نرجع نكمل كلام بولس: «لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟ لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ: أَنَا لِبُولُسَ، وَآخَرُ أَنَا لأَبُلُّوسَ؛ أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ» (١كورنثوس٣: ٣-٤). فالطفل دايرة اهتمامه الوحيدة هي نفسه، متمحور حول ذاته؛ ما يهموش إلا متعته وممتلكاته، وإمكانياته وانتماءاته. يتفنن في الافتخار بمنجزاته وإن كانت تافهة (لايكات وكومنتات...)، وبروحانيته المفتعلة (تمثيل) وخدماته الجبارة (ده بالنسبة ليه هو طبعًا)، وبمجموعته (الكنيسة اللي بينتمي إليها، الشلة بتاعته...)؛ والنتيجة حسد وخصام وشقاق وكل حاجة مش حلوة. نظرة سريعة على صفحات السوشيال ميديا تكفي لتفضح كمية الطفولة اللي بنعاني منها: تفاخر بأمور ثانوية (هدوم - ماركات – تسريحة شعر – موبايل – خروجة ...)، والأسوأ كمية المعارك الوهمية على السوشيال ميديا، وكل واحد شايف إنه صح وهو بس على حق.
مشكلة مبادئ
والأخطر هو الكلام اللي بيقوله في أفسس٤: ١٤: «كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَل». فالطفل سريع التقلب ومعندهوش مبادئ، سهل خداعه. فتلاقيه بيقول «لا» على حاجة كان بيقول عليها من كام يوم «نعم»؛ بلا مبدأ ثابت يحكم قراراته. والأسوأ إنه سهل جدًا أن حد يخدعه ويقنعه بأي ضلالة؛ فتلاقيه عامل زي ورقة رميتها من الدور العشرين في يوم هوا، الريح ترميها يمين مرة، ومرة شمال؛ كلمة تخليه فرحان بخلاصه وضمان مركزه في المسيح، والتانية تشككه في خلاصه. ميعرفش يحكم على التعليم صح ولا لأ.
طبعًا فيه مظاهر تانية بس نكتفي بدول والمرة القادمة نتكلم عن مظاهر الرجولة الروحية. خليني أختم بتحريض بولس للمؤمنين في كورنثوس الأولى ١٦: ١٣ «اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا». «كونوا رجالاً».. خليك كبير روحيًا؛ اطلب من الرب يعديك من الطفولة للنضوج.
نتقابل قريبًا إن تأنى الرب