كيف تكون فاشلاً


بلا شك أن هدف وغرض كل واحد منا أن يكون ناجحًا في كل شيء، روحيًا، إنسانيًا، اجتماعيا، …إلخ. وهكذا كانت رغبة الرسول الحبيب يوحنا لغايس «أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحاً وَصَحِيحاً، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ» (٣يوحنا٢). وللوصول لهذا الهدف وهو النجاح والتقدم في الحياة الروحية، يجب علينا - بمعونة الرب - أن نبتعد عن منهج وطريقة الحياة التي تؤدي إلى الفشل والتدهور الروحي والإنساني.

بنعمة الرب، سنستعرض في هذه السلسلة بعض من هذه الأمور والأسباب التي إن وُجِدت في حياة أي منا، ستؤدي حتمًا إلى الفشل والضعف:

أولاً، المشغولية برأي وكلام الآخرين

خلال مرحلة الشباب - وهي مرحلة تكوين الشخصية والنضوج - تكون هناك رغبة ملحة وقوية لمعرفة: كيف يراني الآخرين؟ كيف يقيِّم الآخرين موهبتي وخدمتي؟ من أنا في نظر المحيطين بي؟ رأي عائلتي، أصدقائي، والإخوة في الاجتماع. بمعنى آخر، أن أحاول أن أستمدّ هويتي من خلال رأي الآخرين فيّ.

وإن كانت هذه الرغبة أن أعرف من أنا والبحث عن هويتي هي رغبة مشروعة ولا غبار عليها خاصة في بداية مرحلة البلوغ - مرحلة إعدادي وثانوي، وأحيانا بداية المرحلة الجامعية - لكن الخطر أن أستمدّ هويتي وتقيمي من الناس وليس من الرب. عندما يكون رأي الناس هو الأساس في التقييم وهو الأهم بالنسبة لي، يؤدي ذلك إلى غياب الرؤية والهدف في الحياة وانحراف في السلوك، ويؤدي - إذا استمرّ هذا الوضع - إلى ضياع العمر في الاتجاه الخاطئ.

فأحيانا نرى في حياة البعض هذه الرغبة الجامحة في معرفة الهوية من خلال نظرة الآخرين للشخص وماذا يقولون عنه، وهذه الرغبة تكون مسيطرة على الكيان وتجعل هذا الشخص يفكر كثيرًا في تقييم الآخرين، ويضع قيمة كبيرة لرأي الناس فيه. وبسبب ذلك يتأثر ويغضب إذا علم أن أحدهم له رأي سلبي فيه أو إذا وجه أحدهم لوم أو عتاب له. وكذلك تتولد فيه غيرة وحسد إذا مُدح آخر أو أُكرم.

في إنجيل لوقا إصحاح ١٢، يحذر الرب من الاهتمام المبالغ فيه برأي الناس. لان الوقوع في هذا الخطأ قد يؤدي لإحدى هاتين المشكلتين:

الرياء في لوقا ١٢: ١: ما هو الرياء؟ عندما تسيطر على هذه الرغية المُلحة في السعي لإرضاء الآخرين والحصول على كلمات الإطراء والمديح منهم، قد يؤدي ذلك أن يجعلني أتظاهر بأشياء غير حقيقية في حياتي. يجعلني أُجاهد أن أفعل الأشياء الظاهرة التي يقدرها الناس. نرى مثالًا لذلك في حنانيا وسفيرة أعمال ٥، عندما رأيا أن كل من كان له حقل أو بيت، باعوا ممتلكاتهم ووضعوها عند أرجل التلاميذ

(أعمال٤: ٣٤، ٣٥). لكن حنانيا وسفيرة بعد ما باعا ما كان ملكًا لهم، اختلسوا من ثمنه وتظاهرا بأنهم أعطوا الكل للرب. «وَاخْتَلَسَ مِنَ الثَّمَنِ وَامْرَأَتُهُ لَهَا خَبَرُ ذَلِكَ وَأَتَى بِجُزْءٍ وَوَضَعَهُ عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ» (أعمال٥: ٢).

الخوف (لوقا١٢: ٤). وهنا الخطر الثاني المعرضين أن نقع فيه. عندما أعطي قيمة أكثر من اللازم للناس وما قد يفعلوا بي من شر أو إساءة أن أحجم عن السير بالأمانة والتقوى تجنبا لمُضايقاتهم وإيذائهم. «وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ» (لوقا ١٢: ٤). نرى مثالًا على ذلك في بطرس عندما كان يستدفئ أثناء محاكمة الرب. عندما تعرض لسؤال من جارية أنه كان مع يسوع الناصري، أنكر أكثر من مرة أنه يعرف الرب. ما هو الدافع وراء إنكار بطرس؟ فقد كان يحب الرب ويرغب في اتباعه، لكن خوفه من نتائج اتباعه للرب، والإهانة أو الضيق الذي قد يتعرض له جعله ينكر الرب بحلف (مرقس١٤: ٦٦-٧٢).

عزيزي القارئ، أمام هذا الموضوع المهم، عليك أن تراجع نفسك وحالة قلبك ما يمثله رأي الآخرين بالنسبة لك؟ هل هو الهدف الشاغل الذي تبحث عنه؟ هل هو المحرك الأساسي لأفعالك وخدمتك؟

أنى لا أقول إن رأي ودور الآخرين حولي دائمًا غير مهم، بل بالعكس هناك بعض الأشخاص وهناك بعض المواقف يكون رأي من حولي مهم ومؤثر وأحيانًا ينبغي أن يحترم ويعُتبَر. خاصة في بداية حياتي في الإيمان، قد يستخدم الرب الآخرين الذين لهم خبرة في الأمور الروحية في توجيهي ونموي الروحي.

لكني أتكلم عن وضع عام وحالة قلب، يكون فيها الشخص منساق وراء إشباع رغبات قلبه الجامحة في إرضاء الناس، فينساق وراء هذه الرغبة فيتظاهر بمظهر معين غير حقيقي، أو يأخذ مكانًا معينًا لا يناسبه، أو يلبس عباءة ليست حجمه. أو تجنبا لمضايقة الآخرين واستهزائهم، يعدل عن قراره باتباع السيد وكونه تلميذًا وتابعًا للسيد الذي أحبه وأسلم نفسه لأجله.

إن الوضع الصحيح هو أن يكون تركيزي ومشغولية قلبي هي إرضاء الرب، هدفي هو فعل مشيئته لحياتي، كان هذا حال شاول الذي أصبح الرسول بولس قائلًا: يارب، ماذا تريد مني أن افعل» يجب أن يكون رجائي هو سماع كلمات المديح من السيد «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِك» (متى٢٥: ٢١).

يقول الرسول بولس: «وَأَمَّا أَنَا فَأَقَلُّ شَيْءٍ عِنْدِي أَنْ يُحْكَمَ فِيَّ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ يَوْمِ بَشَر» (١كورنثوس٤: ٣). إن الرسول بولس لم يضع قلبه على ماذا يقول الناس: «أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ لَمْ أَكُنْ عَبْداً لِلْمَسِيحِ» (غلاطية ١: ١٠). فرأي الناس محدود، متغير، ناقص، محكوم بدوافع قد تكون غير نقية، لكن رأي الرب هو الذي يقوم، هو الكامل، ثابت، وهو الذي يدوم وله كل الأهمية.

عزيزي القاري، أصلي أن تكون هذه الكلمات جرس تحذير، أن قلوبنا خادعة وما أسهل أن تنزلق في طريق إرضاء الناس على حساب أمانتنا وطاعتنا للرب ما أعظمها خسارة أن تمر الأيام والسنين، بل تُقضى الحياة، ونكتشف متأخرًا أن القلب كان مشغولاً بالناس وإرضائهم. أن هذا هو الفشل بعينه، أما النجاح من المنظور الإلهي هو الشخص ذو القلب المُوحّد، المشغول بالسيد وبكلمته ومسرته في طاعتها فتكون النتيجة أن «وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مزمور١: ٣). كذلك في ١يوحنا٢: ١٧ يقول الرسول يوحنا «أَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَد».

وحد قلبي لخوف اسمك

ودوافعي تبقي لمجدك

أنا قدامك أنا خدامك

رهن إشارة إيد شخصك

أيوه حسبت الكل نفاية

ومكفيني أن أنت معايا

أتمجد في حياتي يا سيدي

أشعل نار روحك جوايا