الطريق المضمون

الشوارع في مدينة القاهرة مزدحمة جدًا وخاصة في ساعات الذروة، فبينما كنا سائرين في الطريق، صادفنا أحدهم وهو يلهث من التعب، فلقد ضل طريقه، وتاه عن عنوانه، لقد جاء صاحبنا إلى حي مصر الجديدة بينما كانت وجهته هي الذهاب إلى حي شبرا، فما كان من صديقي السائر معي (وهو استرالي مسيحي، ولكنه لكثرة زياراته لبلادنا، كان يعرف أحياء القاهرة الكبرى أكثر من سكانها)، إلا أن أخرج من جيبه قلمًا وبطريقة سهلة وبسيطة رسم على كف يد صاحبنا كيفية الوصول للعنوان الذي كان يقصده، بل وكتب له رقم الأتوبيس الذي يستقله، وبخفة دم وسرعة بديهة، أخرج من جيبه نبذة جميلة ملونة عنوانها: “أنا هو الطريق” وبحب وحنو قال لصديقنا: “إن الاتوبيس - رقم كذا - يضمن لك الوصول إلى شبرا لكن يسوع المسيح يضمن لك الوصول إلى السماء!”

صديقي وصديقتي:

يقول الكتاب: «قِفُوا عَلَى الطُّرُقِ وَانْظُرُوا، وَاسْأَلُوا عَنِ السُّبُلِ الْقَدِيمَةِ: أَيْنَ هُوَ الطَّرِيقُ الصَّالِحُ؟ وَسِيرُوا فِيهِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُم» (إرميا١٦:٦). وأيضًا: «وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا: الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَة». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلّ» (إشعياء٨:٣٥).

لقد سار في هذه الطريق المقدسة الكثيرون من رجال الله الأمناء، ولم يضلوا أبدًا، صحيح قد يكون لهم ضعفات وسقطات لكنهم يقومون فمكتوب: «إِذَا سَقَطَ لاَ يَنْطَرِحُ، لأَنَّ الرَّبَّ مُسْنِدٌ يَدَه» (مزمور٣٧: ٢٤). ولكن لنلاحظ أن هذا الطريق هو:

أولاً: طريق واحد وحيد

فيسمى الطريق وليس طريق، فكل الطرق تؤدي إلى الطاحونة كما يقولون، لكن طريق واحد يؤدي إلى السماء، لذلك لم يقل المسيح: “أنا هو طريق”. بل «أنا هو الطريق»، ولم يقل: “أنا هو حق”، بل “الحق”، ولم يقل: “أنا هو حياة”، بل “الحياة”، ولم يقل المسيح: “أنا هو باب”، بل أنا هو “الباب”، فليس غير المسيح يَرُدّ الشارد، ويهدي المارد؛ إنه الشخص المريح، والعنوان الصحيح. لقد قال: «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ. (الذي هو في السماء) إِلاَّ بِي» (يوحنا٦:١٤). لم يقل اذهبوا إلى فلان، بل «تَعَالَوْا إِلَيَّ..» (متى ٢٨:١١)، «وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا» (يوحنا ٣٧:٦)، «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ..» (إشعياء ٢٢:٤٥). فهل هناك أوضح وأصلح من هذا الطريق؟!

فالطريق للـخلاص

بيسوع لا ســـواه

تب وآمن به تخلــص

فتفوز بالنجـــاه

لكن علينا أن نتحذر وبشدة لأنه:

«تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْت» (أمثال١٢:١٤).

ثانيًا الطريق مقدس وفريد

فالكاتب والقارئ وكل البشر يتم فينا المكتوب: «وَمِنَ الْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِيًا» (إشعياء٤٨: ٨)، وأيضًا: «الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِد» (رومية٣: ١٢). أما المسيح فهو القدوس الفريد الذي وهو في البطن كان قدوسًا، وفي حياته كان قدوسًا، وفي القبر كان أيضًا كذلك.

في ميلاده قال الملاك للمطوبة: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ.، فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟ (وهذه لغة الكتاب المقدس المهذبة أي لست على علاقة زوجية مع رجل)، فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الله» (لوقا١ :٣٠- ٣٥).

وعندما ولد عاش أسمى وأرقى وأقدس حياة حتى أنه تحدى يومًا المعاندين وغير المؤمنين وقال لهم: «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ» (يوحنا٨: ٤٦)، فَمن مِن البشر نبيًا كان أو رسولاً يستطيع أن يقول هكذا؟! وعندما مات المسيح كان في القبر قدوسًا: «لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا». (أعمال١٣: ٣٥).

لكن لماذا الطريق مقدسة؟ ببساطة لأنها تؤدي إلى المدينة المقدسة، والتي لن يدخلها إلا المقدسين بدم المسيح القدوس «لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا» (رؤيا ١٥:٢٢).

ثالثًا: الطريق للقريب وللبعيد

إن الطريق للجميع، ومحبة الله للعالم «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ..» فأشهر وأعظم دعوة قدمها المسيح للعالم هي: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُم» (متى١١: ٢٨).

صديقي: المتعَبون كثيرون، لكن المريح هو واحد: «وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَة» (٢بطرس ٩:٣). إن الإرسالية العظمى لتلاميذ المسيح هي: «قَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس١٥:١٦).

رابعًا الطريق مضمون وأكيد

لكي تدخل بعض البلاد لا بد لك من شخص يسمى الكفيل أو الضامن، وأحيانًا ينقلب الضامن، وبدلاً من أن يكون سببًا للراحة والأمان يكون سببًا للتعاسة والهوان. لكن ما أسعدنا بالمسيح الضامن والكفيل الذي قال:

«خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (يوحنا٢٨:١٠).

فالخلاص في المسيح مصون ومضمون وإنَّ له لَمحروسون: «أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُون» (١بطرس٥:١). «مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلّ» (إشعياء ٣٥: ٨).

سُئل أحدهم: هل أنت مستعد لملاقاة الله؟ أجاب: أنا الآن أحسن من ذي قبل فقد امتنعت عن الشر والموبقات، وقللت من الخمور والمكيفات وأحاول أن أرضي الله وأكون رجلًا صالحًا مستقيمًا.

وكثيرون منا لو سُئلوا لكانت إجابتهم قريبة من هذه الإجابة، ولكن ليسمح لي القارئ الفطن بسؤال:

هل إذا كنت تقصد مكانًا معينًا وسلكت إليه شارعًا مغلوطًا وكان الطين والوحل يملأ الشارع، فهل كونك تمشي على الرصيف والمكان النظيف، يضمن لك الوصول الى الوجهة الصحيحة المقصودة؟!

صديقي: خليك في المضمون، المسيح هو الطريق!!