2006 77

لا يستهن أحد بحداثتك

Bookmark and Share

سنبدأ بمعونة الرب سلسلة جديدة عن الخدمة والخُدَّام ، نستعرض فيها المفاهيم الصحيحة، من كلمة الله، عن الخدمة الناجحة، وكيف يكون الشخص خادمًا صالحًا ليسوع المسيح، وإناءً للكرامة مقدَّسًا، نافعًا للسيد ومستعدًّا لكل عمل صالح.

وكم هو أمرٌ مبارك أن تكون لدينا الرغبة والأشواق المقدَّسة لخدمة السيد الذي أحبَّنا، وأسلم نفسه لأجلنا، ولا يزال يخدمنا في الأقداس، في السماء، كالكاهن والشفيع. وكم هو كريم في عيني الرب أن يجد شبابًا مكرَّسًا، يُسلِّم نفسه بين يديه، راجيًا بإخلاص أن يستخدمه، بعد أن يُشكِّله، ليكون بركة ومعونة للآخرين. فإنَّه «كسهامٍ بيدِ جبَّار، هكذا أبناء الشبيبة. طوبى للذي ملأ جعبته منهم» (مزمور127: 4، 5).

والكتاب يقول: «جيِّدٌ للرجل أن يحمل النير في صباه» (مراثي3: 27). فإنَّ هذا سيحفظه من تأثير العالم وجاذبيَّاته، وسيُدرِّبه على حياة الانضباط في كل شيء، ويُحبِّبه في كلمة الله ودراسته. وبالإجمال إنَّها بركة عظيمة أن يتعوَّد الشاب على تحمُّل المسئوليات، فهذا سيصنع منه رجلاً ناجحًا على كل المحاور، وينطبق عليه القول: «لا يستهن أحد بحداثتك». وهو بدوره سيعود بالامتنان للرب الذي علَّمه من الصبا، كما يقول كاتب المزمور: «اللهم، قد علَّمتني منذ صباي» (مزمور71: 17). إنَّ التعلُّم والتأسُّس والتأصُّل بطريقة صحيحة من الصبا، سيحدِّد الاستمراريَّة الصحيحة والناجحة. وكم نحتاج إلى شباب له قلب في العمل، وله اهتمامات روحيَّة مقدَّسة؛ مختلفة عن شباب هذا العصر، الذي يبحث عن إرضاء الذَّات وإشباع الرغبات بما هو عالمي. إنَّ روح العالم هي الأنانيَّة والتَّمركز حول الذَّات، أمَّا روح الخادم فهي المحبَّة التي تتعب وتُضحي وتُعطي. والكتاب يذخر بالأمثلة المباركة لأشخاص تعلَّموا منذ الصبا، وحملوا النير منذ حداثتهم، وقد استخدمهم الرب وكانوا ناجحين، كلٌ في مكانه ودوره. على سبيل المثال:

1- يوسف: لقد تعلَّم الطَّاعة، والطهارة، ومخافة الرب، والحيدان عن الشر، والتعايش مع الحرمان والضغوط والظروف الصعبة. وإذ كان بعد فتى، لم يتجاوز 17عامًا، قيل عنه: «كان رجلاً ناجحًا ... ومهما صنع كان الرب يُنجحه» (تكوين39: 2 ، 23).

2- موسى: تعلَّم في طفولته، من أمه التقيَّة التي أرضعته، أنَّه ينتمي إلى شعب الله، وأنَّ هذا الشعب، رغم الفقر والمذلَّة، هو شعب الله. تعلَّم أنَّ الغنى الحقيقي ليس في خزائن مصر، والراحة الحقيقيَّة ليست في قصر فرعون، والنجاح ليس في الوصول إلى العرش، والسعادة ليست في التمتُّع الوقتي بالخطيَّة. تعلَّم كل هذا في صباه، و« لمَّا كبر أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضِّلاً بالأحرى أن يُذَل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطيَّة، حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنَّه كان ينظر إلى المجازاة» (عبرانيين11: 24-26). وكانت هذه هي البداية في طريق الإعداد والاستخدام.

3- صموئيل: تعلَّم من أمه حنَّة، في طفولته، الصلاة الحقيقيَّة، والتقوى الحقيقيَّة، والسجود، وإكرام الرب، وامتياز أن يكون نذيرًا للرب كل حياته وأن يخدمه. فإنها «حين فطمته أصعدته... أتت به إلى الرب في شيلوه والصبي صغير... وقالت (لعالي) وأنا أيضًا قد أعرته للرب. جميع أيَّام حياته هو عارية للرب» (1صموئيل1: 23-28). «وكان صموئيل يخدم أمام الرب وهو صبي متمنطق بأفود من كتَّان (أبيض)... وكبر الصبي صموئيل عند الرب» (2: 18 ، 21). ووسط جوّ الفساد الذي تمثَّل في أولاد عالي الكاهن، نقرأ القول: «وأمَّا الصبي صموئيل فتزايد نموًّا وصلاحًا لدى الرب والناس أيضًا» (2: 26). «وكان الصبي صموئيل يخدم الرب أمام عالي» (3: 1). «وكبر صموئيل، وكان الرب معه، ولم يدع شيئًا من جميع كلامه يسقط إلى الأرض. وعرف جميع إسرائيل... أنَّه قد اُؤتمن صموئيل نبيًّا للرب» (3: 19 ،20).

4- داود: تعلَّم الانفراد مع الرب منذ صباه عندما كان يرعى الغنم. وتعلَّم الاتَّكال عليه في ضعفه. وتعلَّم الثقة في قوَّة الله الذي أعطاه النصرة على الأسد والدب. وتعلَّم أنَّه ليس بسيف ولا برمح يخلِّص الرب، فذهب في شجاعة الإيمان يواجه جليات الفلسطيني. تعلَّم قيمة شعب الرب، وأنَّهم حتَّى في مذلتهم هم صفوف الله الحي. تعلَّم الصبر والاحتمال للمشقَّات وهو بعد فتى، أشقر وحلو العينين؛ لكنَّه مع حداثته لم يكن شخصًا مدلَّلاً أو مرفَّهً. وقد استخدمه الرب ليرعى شعبه ويملك عليهم.

5- الفتاة الصغيرة: لقد سُبيت من أرضها إلى آرام، وكانت تخدم بين يدي امرأة نعمان رئيس جيش ملك آرام، الذي كان هو السبب المباشر في الكارثة التي حلَّت به. لكنَّها لم تكن تحمل تُجاهه مشاعر مرارة. فقد تعلَّمت أن تأخذ أمورها من يد الرب، وتتقبَّل الأوضاع المعاكسة لرغباتها وآمالها بروح الشكر والرضى والتسليم. واستطاعت أن تشهد عن الله وعن النبي الذي في السَّامرة (أليشع)، وتحمل الأخبار السَّارة لنعمان، أنَّه يوجد رجاء للأبرص. وقد استخدمها الرب، رغم حداثتها وظروفها، لتكون الحلقة الأولى في خلاص نعمان (2ملوك5).

6- دانيآل: وهو بعد فتى، لم يتجاوز 14عامًا، سُبي إلى بابل. ومع أنَّه من نسل حزقيا ومن السلالة الملكيَّة، لكنَّه وجد نفسه عبدًا عند ملك بابل. هذا الفتى تعلَّم في صباه أن يحترم شريعة إلهه ويطيعها حتَّى لو تغيَّر المكان، والناس المحيطين به، وتغيَّرت الظروف تمامًا، وحتَّى لو ساءت به الأحوال. لذلك «جعل في قلبه أنه لا يتنجَّس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه» (دانيآل 1: 8). وقد ظلَّ طوال حياته في بابل شاهدًا أمينًا للرب في السبي.

7- تيموثاوس: تعلَّم من أمه وجدَّته، في طفولته، الكتب المقدَّسة. وهذه الكتب المقدَّسة كانت قادرة أن تُحكِّمه للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع. ومنذ حداثته كانت له الأشواق المقدَّسة للخدمة ولمعت فيه الموهبة، وكان رفيقًا محبوبًا للرسول بولس وخادمًا ناجحًا للربّ، يعمل عمل الربّ كالرسول بولس، ويهتم بأحوال المؤمن بإخلاص نظير بولس.

ومن خلال هذه الأمثلة الحيَّة نستطيع أن نُدرك أهميَّة التعلّم والتأسيس في الصبا، وحمل النير في الصب. ونُقدِّم التشجيع لكل شاب وفتاة يُريد أن يخدم الرب. فإنَّ الله لا يزال يعمل، ويُسرّ بأن يستخدم طاقات الشباب لمجده.

وسنرى في المرَّة القادمة، إذا شاء الرب، الأساس للخدمة الصحيحة النَّاجحة، والربّ معكم. 

محب نصيف
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf