2009 99

الكنز واللؤلؤة

Bookmark and Share

أقوال من الأمثال: في مثل الزارع رأينا الرب يسوع وهو يزرع كلمته في القلوب، والشيطان العدو وهو يخطف الكلمة وتأثيرها من الكثيرين. وفي مثل الخميرة رأينا التعليم الكاذب والفاسد الذي سَرَى في المسيحية من خلال المعلمين الكذبة. وفي مثل الزوان والشبكة رأينا يوم الدينونة القادم الذي فيه سيفصل الرب بين الأتقياء ومن لهم صورة التقوي، بين المؤمنين والمتدينين. لكن هل في وسط هذا الشر والفساد الذي يملأ العالم، والتشويش الذي يملأ المسيحية، يوجد شيء ثمين وعزيز للمسيح؟ نعم، وهذا ما سنراه في هذا الجزء من الأمثال والذي أظهر فيه الرب لتلاميذه مركز المؤمنين ومقامهم كأفراد وكجماعة، وذلك بأسلوب سهل وتشبيهات معروفة للجميع.

«أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزًا مُخْفىً فِي حَقْل، وَجَدَهُ إِنْسَانٌ فَأَخْفَاهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذلِكَ الْحَقْلَ. أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا تَاجِرًا يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً، فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا» (متى13: 44-46).

الكنز: هو مجموع لوحدات صغيرة ذات قيمة كبيرة، وفيه نرى إشارة إلى المؤمنين أفرادًا.

اللؤلؤة: شيء واحد ثمين جدًا، وفيها نرى إشارة للكنيسة الواحدة. فالمثلان توأمان متشابهان، أو عملة واحدة لها وجهان؛ فالكنيسة هي جسد واحد به أعضاء كثيرة. أو هيكل واحد من أحجار متنوعة.

اللؤلؤة وكيف تتكون: تحت المياه العميقة يعيش كائن حي رخوي صدفي، يحدث أثناء سيره أن يصطدم جسده الحساس بجسم صلب، فيجرحه جرحًا يسبِّب له آلامًا شديدة. ومن خلال الجرح يدخل جسم غريب – حبة رمل مثلاً – فيُفرز الكائن طبقات رقيقة على هذا الجسم، وتتراكم عليه طبقة تلو الأخرى إلى أن تصل إلى بهاء وجمال اللؤلؤة.

أوجه الشبه بين اللؤلؤة والكنيسة: ما يحدث للكائن الرخوي نرى فيه تصوير بديع لجروح الرب وجنبه المطعون على الصليب، وكم تألم لتخرج الكنيسة بهذا الجمال والبهاء - الخارج عنها - جمال وبهاء ابن الله الذي تألم ومات وقام ليُحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن (أفسس5: 25-27). وقال عنها الملاك ليوحنا الرائي: «هَلُم فأُريك العروس امرأة الخروف... لها مجد الله ولمعانها شبه أكرم حجر كحجر يَشب بلوري» (رؤيا21: 9-11).

أصل اللؤلؤة:

* جسم غريب في عمق البحر والطين والوحل. وهذا ما كنا عليه، ولكن من أوحال الخطية والنجاسة جاء المسيح وانتشلنا: «أصعدني من جُب الهلاك من طين الحمأة وأقام على صخرة رجليَّ» (مزمور40: 2).

* اللؤلؤة تتكون ببطء، والكنيسة يضم الرب إليها كل يوم الذين يخلصون، إلى أن تكمل كلؤلؤة عظيمة فيأتي ويأخذها لنفسه.

* إلى حين ظهورها، هي مخفية داخل جسم الكائن القابل للموت والفساد. وهكذا نحن المؤمنين نعيش في جسد الخطية والموت والقابل للفساد. لكن قريبًا سنخلص منه ومن العالم الفاسد المحيط بنا عندما يأتي الرب يسوع ويختطفنا ونلمع بالمجد معه.

المؤمن في الكنز: هنا نرى المؤمنين في صفتهم كأفراد من حيث معرفة الله لهم وقيمتهم الثمينة في نظره كمختارين منه في الأزل: «لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعَيَّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، والذين سبق فعيَّنهم فهؤلاء دعاهم أيضًا، والذين دعاهم فهؤلاء برَّرهم أيضًا، والذين برَّرهم فهؤلاء مجدَّهم أيضًا» (رومية8: 29، 30).

المسيح في المَثَلين: في تفسير البعض للمثلين قالوا إن المسيح هو الكنز واللؤلؤة. ولكن كيف يكون المسيح كنزًا مُخفًى، وهو الذي رُفِع على الصليب والكل رآه: «أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسِم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا» (غلاطية3:  1)، وانتشر خبره في العالم أجمع؟ وكيف يكون مُخفًى وهو القائل: «التفتوا إليَّ واخلصوا...»، وأيضًا: «تعالوا إليَّ يا جميع المُتعَبين...»! فكيف نلتفت ونأتي لشخص مُخفى؟! وإن كان يوجد أحد لم يجد المسيح للآن فهذا يعود لعدم إرادة الإنسان أن يُقبِل إلى المسيح ويؤمن به! وكيف يكون المسيح هو اللؤلؤة؟ من يقدِّر المسيح بثمن؟ ومن يستطيع أن يشتريه؟ ومن أين آتى بالثمن؟

الرجوع للينبوع: في المَثَلين نرى الرب يسوع في الكلمات البارزة الآتية: إنسان.. يطلب.. مضى.. وجد.. باع.. اشترى.

إنسان: كتب إشعياء عن الرب: وقال بيلاطس عن المسيح: «هوذا الإنسان!» (يوحنا 19: 5). وقال المسيح عن نفسه كثيرًا إنه «ابن الإنسان».

يطلب: أي يذهب من مكان إلى مكان باحثًا عن شيء. والمسيح قال عن نفسه: «لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك» (لوقا19: 10).

مضى: مشوار طويل ساره المسيح من المجد للمهد، ومن المهد إلى اللحد.

وجد: تصوير بديع، نجده في مثل الخروف الضال، عن مجهود الراعي وهو يبحث عن الضال حتى يجده وفرحته عندما وجده.

باع: أيُّ أمجاد كانت للمسيح صاحب التيجان الكثيرة؟! لكن من شدة محبته لك، عزيزي القارئ، أخفى أمجاده وأخلى نفسه: «الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجِد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب» (فيلبي2: 6-8).

اشترى: في المَثَلين نرى الشراء لشيئين: الحقل واللؤلؤة. وهنا نرى وجهين عظيمين لعمل المسيح الكفاري على الصليب:

1- عموميته لجميع الناس (شراء الحقل)؛ فالمسيح بذل نفسه لأجل جميع البشر وعدل الله قد اكتفى بموته، وكل من يأتي إلى الله عن طريق المسيح يقبله: «لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع» (1تيموثاوس2: 5، 6).

2- خصوصيته للمؤمنين؛ لأن المسيح على الصليب كان نائبًا عن الذين يؤمنون به مُحتملاً دينونة خطاياهم (شراء اللؤلؤة): «الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة» (1بطرس2: 24).

عزيزي القارئ، لا تنسَ أن المسيح اشتراك لا بذهب أو فضة بل بدمه الكريم، فأنت مِلك له ولست لذاتك ولا لشهواتك. ولكن إن كنت لم تقبله مُخَلِّصًا وفاديًا لك فاحذر؛ لأنك بذلك تُنكر الرب الذي اشتراك وستجلب على نفسك هلاكًا سريعًا (2بطرس2: 1)!

معين بشير
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf