2002 58

البار من أجل الأثمة

Bookmark and Share

رغم استشهاد أبيه في ميدان المعركة ورقاد أمه المسيحية الحقيقية التقية، ظل “هولت” متمسكاً بإيمانه القوي بالرب يسوع. ورغم رقته ووداعته وسنه الصغير، ورغم ما تحمله الحياة العسكرية له من ذكريات أليمة عن موت أبيه؛ إلا أنه ظل أميناً في أداء واجبه العسكري.

حدث تمرد من الجنود في كتيبة هولت، واكتشف القائد عبثاً في الذخيرة، وأن بعض المتاريس قد أُتلفت والبعض الأخر نُزع؛ وقد دلّت التحريات على أن الجاني هو فرد يقيم في الحجرة رقم 4 حيث يقيم هولت. صدرت الأوامر بتقديم جميع أفراد الحجرة 4 للمحاكمة العسكرية، وقال القائد: إن اعترف الجاني فسيتحمل عقوبته وحده ويُطلق الجميع أحراراً، أما إن لم يعترف أحد فكل فرد سينال نفس العقوبة، هذه هي القوانين العسكرية.

ساد الصمت والوجوم دقائق مرت كالسنين. وفجأة وكالسهم المنطلق خرج هولت من الصف وقال للقائد: أنا على استعداد لتحمل العقاب، فلتُفرج سيادتك عن باقي الجنود ليكونوا أحراراً كما وعدت.

كان القائد يعلم ببراءة هولت لتقواه وتاريخه المشرف في العمل العسكري، إلا أنه كان عليه أن ينفذ فيه الأمر العسكري الذي أصدره والذي لا يمكن تغييره. اقتادوا الغلام للجلد، فانحنى هولت في بسالة منقطعة النظير، فعروا ظهره وانهالوا عليه بالجلدات، بعد عدة جلدات خرج تأوه مكتوم من بين شفتيه، وبعد بضعة جلدات أخرى كان الألم أقسى من احتماله فدوت صرخة عذابه الرهيب بين جنبات المعسكر. وعندها تقدّم الجندي چورچ وهو يصرخ في انهيار ومرار وعار، وأمسك بالسياط وقال للقائد: سيدي القائد أنا هو المذنب الحقيقي، هولت لم يفعل ذنباً، إنه بريء، اربطني أنا فهذه أجرة ذنبي أنا، أنا المذنب وليس هولت.

ساد الصمت للحظات، إلا أن هولت التفت إلى زميله چورچ بابتسامة كالوردة الرقيقة بين أشواك الألم والعذاب، وقال له: أنت يا چورچ حر من العقاب، الآن ينبغي أن يُنفَّذ أمر القائد فيَّ.

ولما جُلد هولت الجلدة التالية غاب عن الوعي وسقط مغشيّاً عليه وسط بِركة من الدماء التي كانت تجري بغزارة من جراحه.

في الغد كان هولت يحتضر في المستشفى، بينما كان زميله چورچ يجلس بجواره في بكاء عميق مر. ولما أفاق هولت من غيبوبته سأله چورچ : لماذا تحملت القصاص بدلاً مني يا هولت؟ أجابه لأني أحبك، ولكن الرب يسوع يحبك أكثر جداً، أنا تحملت لأجلك جلدات وهو تحمل لأجلك أقسى العذابات بل ونيران الجحيم التي كنت تستحقها، لقد أردت أن أوضح لك بطريقة عملية ما ذكرته لك مرات كثيرة عن السؤال الأعجب وهو: لماذا مات المسيح لأجلي ولأجلك؟ لأختبر عملياً وبصورة باهتة ما كُتب عن ربي الحبيب يسوع: «حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ»(متى26: 27).

  • ولكني شرير كما تعلم يا هولت، فهل الرب يسوع المسيح يحب شرير نظيري؟ قالها چورچ والدموع تسيل من عينيه بانهمار كالأنهار.

أجابه هولت: «الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ... الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ... فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الآثمة، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ» (1بطرس2: 24؛ 3: 18).

وبينما كان چورچ يصلي ويسلم حياته للمسيح، وضع هولت يده برفق وحنان على رأس چورچ وأخذ يردد له الترنيمة الخالدة:

كما أنا وليس لي عذر لديك

إلا الدم المسفوك عني من يديك

وأمـرك القائل أن آتي إليك

آتي أنا يا حمل الله الوديع

وبينما هولت يرنم، ابتسم ابتسامه سماوية، وأحنى رأسه وانطلقت روحه بسلام إلي السماء في قصة فداء لا تعلوها إلا قصة صليب الرب يسوع المسيح.

صديقي القارئ.. صديقتي القارئة.. إن قصة هولت وفدائه لچورچ، تلك القصة الحقيقية والقديمة والتي ستظل مؤثرة دائماً، لا يمكن مقارنتها بقصة ما احتمله المسيح، رب هولت الذي قال: «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِه» (يوحنا15: 13)، فهو لم يُجلد ويتألم آلام جسدية فقط كالتي أحتملها هولت، ولكنه احتمل آلاماً نفسية رهيبة كالخيانة والإنكار والعار والبصق والعري، كانت هذه الجراحات النفسية الداخلية أكثر ألماً من الجلدات الجسدية، أما الآلام الكفارية فكانت أقسى وأرهب من أن يفهمها أحد من البشر حينما تم المكتوب: «مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ والرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا... ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟»(إشعياء53: 5-8).

إن قصة حب الرب يسوع وفدائه تستحق أن تلتفت إليها «فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الآثمة، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ» (1بطرس3: 18) «فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هَذَا مِقْدَارُهُ» (عبرانيين2: 3).

فهل تأتي إليه نظيري ونظير چورچ معترفاً بخطيئتك ومقدِّراً صليبه؟

هل تصلي معي الآن وأنت تقرأ هذه المجلة قائلاً:

صلاة:

 أيها الرب يسوع البار.. يا من احتملت لأجلي كل المرار والعار.. يا من لم تُجلد فقط بسياط من حبال وأوتار.. بل بسيف العدل الإلهي الذي من نار.. أحبك من أعماقي يا من رفعتني من الأغوار.. آمين.

زكريا استاورو
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf