2022 175

عظة بطرس الثانية في رواق سليمان

Bookmark and Share

استخدم الله بطرس ويوحنا في شفاء الأعرج من بطن أمه والذي كان يجلس عند باب الهيكل الذي يقال له الجميل، فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي. فتَرَاكَضَ إِلَيْهِمْ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى «رِوَاق سُلَيْمَانَ» وَهُمْ مُنْدَهِشُونَ، لأن معجزة عظيمة قد حدثت، تراكضوا لكي يروا الذي شُفي ومن شفاه وكيف؟

كان شفاء هذا الأعرج دليلاً واضحًا لكل سكان أورشليم وقادة الأمة اليهودية، أن معجزة قد حدثت باسم يسوع المسيح الناصري. كانت عيونهم شاخصة إلى بطرس ويوحنا، ولكن لأن بطرس خادم أمين للمسيح، فإنه نفي أنه هو ويوحنا قد عملا هذه المعجزة بقوتهما، لكنها عُملت باسم يسوع المسيح الناصري، فأعطى المجد كله للرب (ع١٢-١٦).

انتهز بطرس الفرصة وتكلم مع الجموع عن الرب يسوع بكلمات بسيطة وسهلة يفهمها الجميع، ثم قدم لهم الدعوة إلى التوبة والرجوع إلى الرب:

١. يسوع المُرسل من الله: «أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ،  أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ»، أقام الله فتاه (خادمه) يسوع، وتشير إلى حضور المسيح بالجسد في وسطهم، وأنه خدم بينهم، وعلَّمهم عن ضرورة التوبة (متى٤: ١٧)، وعندما يرجعوا عن شرورهم سيباركهم. ذكر الرب كثيرًا أنه المُرسَل من الآب (يوحنا٤: ٣٤). ولقد أرسل الله فتاه يسوع في مجيئه الأول ليبارك شعبه إسرائيل، وسيُرسله ثانية ليقيم ملكوته بالقوة والمجد.

٢. الْقُدُّوسَ الْبَارَّ: الرب يسوع هو القدوس الذي بلا خطية (لوقا١: ٣٥)، وأيضًا هو  البار (١يوحنا٢: ١). قال بطرس لهم بشجاعة: «أَنْتُمْ  أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ»، مع أنه هو نفسه أنكر الرب ثلاث مرات؛ ولكنه اختبر عمليًا شناعة هذه الخطية، وأيضًا نعمة المسيح التي تعالج. لذلك مهما كانت خطيتك أو إنكارك للمسيح، لكن عند رجوعك له سوف يغفر لك ويقبلك.

٣. رَئِيسُ الْحَيَاةِ: أي مصدر الحياة ومنبعها (يوحنا١: ٤)، وأيضًا هو معطيها، سواء الحياة الطبيعية (أعمال١٧: ٢٨)، أو الحياة الأبدية «وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً» (يوحنا١٠: ٢٨). وما كان لأحد أن يُميت رئيس الحياة، لكنه مات باختياره (يوحنا١٠: ١٨).

٤. قَتَلْتُمُوهُ: ذكر شرهم الفظيع، وكيف أنهم  أطلقوا باراباس اللص والقاتل (الذي ينزع الحياة)، ثم قتلوا القدوس البار (مُعطي الحياة).

٥. قيامة المسيح: «إِنَّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلهَ آبَائِنَا، مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ»، مجَّده بالقيامة من الأموات، ثم صعوده إلى السماء وجلوسه في يمين العظمة في الأعالي، ثم إرساله للروح القدس. « وَبِالإِيمَانِ بِاسْمِهِ، شَدَّدَ اسْمُهُ هذَا الَّذِي تَنْظُرُونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ،  وَالإِيمَانُ الَّذِي بِوَاسِطَتِهِ أَعْطَاهُ هذِهِ الصِّحَّةَ أَمَامَ جَمِيعِكُمْ» يؤكد بطرس أن الإيمان باسم يسوع هو الأساس لحدوث معجزة الشفاء.

٦. المسيح موضوع النبوات: «وَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ  بِجَهَالَةٍ عَمِلْتُمْ، كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أَيْضًا. وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ  وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ، قَدْ تَمَّمَهُ هكَذَا».

اعتبر جريمتهم في صلب المسيح تمت عن جهل، وبهذا تَمثَّل بالرب يسوع الذي قال على الصليب: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ  لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا٢٣: ٣٤)، وكل من يتوب ويؤمن بالمسيح يتغاضى الله عن أزمنة جهله (أعمال١٧: ٣٠). وبهذه العبارة فتح لهم باب مدينة الملجأ لكي يتوبوا يرجعوا إلى الرب ويؤمنوا بالمسيح فيخلصوا.

ثم أوضح لهم أن صليب المسيح وآلامه كان موضوع نبوات العهد القديم، وعلى سبيل المثال: «ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ» (مزمور٢٢: ١٦)، «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا» (إشعياء٥٣: ٥).

وقال لهم: «فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ  نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ»، تكلم موسى عن المسيح أنه النبي الذي سيرسله الله لشعبه إسرائيل (تثنية١٨: ١٥)، والذي لا يسمع له يُدان (مرقس١٦: ١٦).

وأيضًا: «وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَيْضًا مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ، جَمِيعُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا، سَبَقُوا وَأَنْبَأُوا بِهذِهِ الأَيَّامِ» وبهذا يؤكد لهم أن كل نبوات العهد القديم تكلمت عن آلام المسيح وموته.

«أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ، وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلاً لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ» يكلمهم كالورثة الشرعيين للعهد الذي عاهد به الله إبراهيم، وكلمة «نَسْلِكَ» تشير إلى المسيح (غلاطية٣: ١٦).

«أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ» لأنهم أبناء إبراهيم الذي كان نبيًا (تكوين٢٠: ٧)، وأبناء يعقوب الذي كان أيضًا نبيًا (تكوين٤٩: ١).

٧. المسيح سيملك وستأتي أوقات الفرج: «فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ» تُعتبَر التوبة أمرًا إلهيًا (أعمال١٧: ٣٠)، وهي تغيير الفكر والإتجاه، وذلك بإدانة أنفسهم وقبولهم للرب يسوع المسيح المخلِّص، والنتيجة هي محو خطاياهم، وفي حالة عدم التوبة فسوف يهلكون (لوقا١٣: ٣).

أوقات الفرج هي وقت مُلك المسيح على شعبه وكل الأرض، حيث سيعم العدل والسلام والخير على كل المسكونة.

«وَيُرْسِلَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ. الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ السَّمَاءَ تَقْبَلُهُ، إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ، الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ». إن كانت الأرض قد رفضته لكن السماء قد قبلته، وفي حالة توبتهم كأمُة ستأتي أوقات الفرج، أي سيأتي المسيح ويملك عليهم، ومع أن بعض الأفراد قبلوا الرب كمخلِّصهم، لكنهم كأمة رفضوه، فجاء القضاء سنة ٧٠ ميلادية على يد تيطس الروماني.

أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ، هي أيضًا وقت مُلك المسيح، ومعناها تصحيح كل شيء بعد فساده، ورد كل شيء إلى أصله، وفيه ستُعتق الخليقة من عبودية الفساد (رومية٨: ٢١). وقد تكلم الأنبياء عن عصر ملك المسيح في أماكن كثيرة في العهد القديم.

قدَّم لهم أيضًا الدعوة للتوبة الفردية «بِرَدِّ  كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ»، ويا ليتنا ندرك هذا الأمر كأفراد فيتوب كل واحد منا عن شروره، وهذه هي أعظم بركة.

كان لعظة بطرس تأثير عظيم؛ فآمن حوالي ٢٠٠٠ شخص من اليهود (أعمال٤: ٤؛ ٢: ٤١).

يا ليت كل من يقرأ هذه العظة يكون قد تمّم ما قاله بطرس: «فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ».

وللحديث بقية 

أمين هلال
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf