2021 172

التهديد لا يفيد

Bookmark and Share

هذه الصورة لمواطن أمريكي يُدعى “أندرو كارون” تعرَّض للسرقة بالإكراه في الشارع عام ١٩٨٦ على يد لص مُلثَّم، وفي هذا اليوم سرق منه اللص ٩٥ دولارًا.

لكن أندرو لم يقبل ما حدث له، فقرر أن يُلقن ذلك اللص درسًا قويًا. فقام بدفع مبلغ ٨٠٠٠ دولار لإحدى القنوات التليفزيونية المحلية، مقابل ظهوره بهذا الشكل لكي يُحذر اللص أنه إذا رآه مرة أخرى فسوف يقتله دون رحمة. وقصد أندرو أن يظهر ممسكًا ببندقيته حتى يبث الرعب في قلب ذلك اللص الآثم.

فور إذاعة الإعلان وانتشاره. قام اللص بالاستعلام عن منزل أندرو ثم وضع خطته، واقتحم منزل أندرو ليلاً وقام بضرب أندرو ضربًا مُبرحًا وتكبيله هو وزوجته ثم قام بسرقة محتويات المنزل بما في ذلك السيارة والأسلحة التي ظهر بها أندرو في الإعلان التحذيري!

قد تراها قصة طريفة، أو تراها قصة حزينة مؤسفة. ربما حكمت على أندرو بالغباء الشديد، أو ربما تعاطفت معه حيث إنه كان غاضبًا وأراد أن ينفِّث عن غضبه بالطريقة التي رآها مناسبة. لكن الحقيقة أنني توقفت أمام هذه القصة العجيبة. تأملت قليلاً ووجدت أننا بكل أسف نفعل ذلك مرارًا وتكرارًا.

نخسر كثيرًا حينما نحاول أن نعوض خسارتنا بطرق عنيفة، أو نتعامل بذات الأسلوب الذي يتعامل به العدو معنا. فقد تعرض أندرو لسرقة بسيطة – ٩٥ دولارًا – لكنه لم يقبل الخسارة البسيطة فلجأ إلى دفع ٨٠٠٠ دولارًا لكي يقوم بتهديد اللص بالسلاح، حتى يردع اللص. لكن بكل أسف تسبب هذا التصرف في خسارة أكبر، وأذى شديد له ولزوجته.

يحاول الشيطان وأتباعه دائمًا أن يعطلوا مسيرتنا، حتى لا نتقدم في حياتنا وعلاقتنا وخدمتنا لله. وأحيانًا ينجحون في ذلك. لكن ردود أفعالنا كثيرًا ما تكون سببًا في خسارة أكبر لنا.

كثيرًا ما نتعرض للسرقة والاحتيال من السارق، الكذاب، وعدو الخير الذي هو الشيطان. لكننا بدلاً من التعلم مما حدث لنا فإننا نحاول أن نتصرف بطريقة غريبة تجعلنا نخسر أكثر. ونسقط في هوة سحيقة حيث الخسارة تلو الأخرى!

ربما سرق الشيطان وقتك، ربما سرق فرحتك بالخلاص، ربما سرق وقت شركتك الذي كنت تقضيه أمام الله كل يوم. وبكل أسف بدلاً من تعويض هذه الخسارة والتعلم مما حدث فإننا كثيرًا ما نضيع أوقاتنا وحياتنا في تهديد العدو بدلاً من تعويض ما فاتنا.

أحيانًا يستخدم العدو أتباعه في هذه الحرب ليسرقوا أوقاتنا وطاقتنا. فنجد أنفسنا نُستنزف في حرب كلامية، وجدالات ونقاشات لساعات طويلة حتى نُثبت صحة ما نقول. ونؤكد أننا على حق. لكن بكل أسف نكتشف بعد وقت أننا خسرنا أكثر! وأن الشيطان وأتباعه في غاية السعادة لأنهم أفقدونا سلامنا، وكسبوا جولة تلو الأخرى بسبب ردود أفعالنا أمام هجومهم علينا.

حاول العدو أن يُعطل نحميا - رجل الله العظيم - عن العمل وبناء سور أورشليم المنهدم. لكن نحميا لم يسقط في الفخ. بل رفض رفضًا تامًا مجرد الحديث مع من جاءوا ليوقفوا العمل ويعطلونه عن بناء السور، وأجاب إجابته القاطعة: «إِنِّي أَنَا عَامِلٌ عَمَلاً عَظِيمًا فَلاَ أَقْدُرُ أَنْ أَنْزِلَ. لِمَاذَا يَبْطُلُ الْعَمَلُ بَيْنَمَا أَتْرُكُهُ وَأَنْزِلُ إِلَيْكُمَا؟» (نحميا٦: ٣). المؤمن لا يسمح للعدو أن يسرق وقته وطاقته في جِدال عقيم الهدف منه ضياع الوقت. وخسارة المعركة.

حاول الشيطان وأتباعه كثيرًا أن يمنعوا بولس من التقدم في خدمة الرب، والوصول للمحتاجين لكلمة الله. لكنه دائمًا كان يكشف حيل العدو، ويدرك تمامًا أنه لا بد وأن يتقدم مُلقيًا بما يفعله الأعداء خلف ظهره. مؤكدًا بحياته الشعار الذي أعلنه لمؤمني كنيسة فيلبي: «أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ» (فيلبي٣: ١٣).

ليتنا نتعلم من بولس الرسول؛ فلا نفعل إلا شيئًا واحدًا. لا ندع العدو يأخذنا في طرق جانبية، مبتعدين عن الهدف والغاية التي خُلقنا لأجلها. ليتنا ننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام. دون أن نلتفت خلفنا. فنفعل كما أوصى بولس تلميذه تيموثاوس قائلاً: «وَالْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ» (٢تيموثاوس٢: ٢٣).

باسم شكري
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf