2007 86

بيني وبينك

Bookmark and Share

بشوق وشغف أتى الشاب إلى صديقه الشيخ متلهِفًا لإكمال حديثهما الممتد الذي بدأه الشاب بسبب شعوره بالفتور الروحي. وإذ التقى الشاب بصديقه قال:

* أحاديثنا في المرات السابقة عن موضوع الفتور الروحي أثّرت كثيرًا في حياتي عمليًا.

- أشكر الرب كثيرًا على هذا.

* وهذا ما يدفعني للاستزادة.

- بكل سرور يا صديقي.

* لقد فهمت من المرات السابقة تأثير ما يعرضه العالم من بضائع على فتور حياتي الروحية. وسؤالي هو: هل هناك أسباب أخرى تؤدّي إلى هذه الحالة البغيضة؟

- بكل تأكيد، هناك أسباب أخرى.

* هل تتكرم بأن توضِّح لي؟

- واحد من أهم الأسباب، في وجهة نظري، هو الكسل.



* الكسل! كيف؟!

- اقرأ لي - إذا تكرّمت - قول سليمان الحكيم في أمثال 13: 4.

* «نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها، ونفس المجتهدين تسمن».

- الحكيم هنا يقول إن الكسول يشتهي، وقد تكون شهوته هذه طيبة بل ومطلوبة، مثل أن ينمو روحيًا أو أن يخدم الرب؛ لكنه بسبب كسله لا يجد شيئًا مما يشتهيه.

* أوضح لي - من فضلك - كيف يتسبب الكسل في هذا.

- يا عزيزي.. إن أمور الله كلها تحتاج إلى نشاط واجتهاد لتتمتع بها.

* أرجو أن تعطيني نقاطًا عملية تزيد الأمور وضوحًا.

- دعنا نأخذ قراءة الكتاب المقدس كمثال. لتستطيع أن تحصِّل منها، فعليك أن تصرف وقتًا فيها قارئًا ومتأملاً ودارسًا لتخرج بالفائدة المرجوة (انظر أعمال17: 11). لكننا نجد بعضًا يقول إنه لا يجد وقتًا لذلك، في حين أنه يقضي الساعات الطوال في سريره نائمًا أكثر من حاجته كثيرًا.

* للصدق، هذا صحيح.

- ثم إنه، لزيادة الفائدة من كلمة الله، لا بد وأن أجول فيها بحثًا عن موضوع ما يهمني، أو لربط الآيات بعضها ببعض للمزيد من الفائدة؛ وبالطبع ليس هذا منهج الكسلان الذي يرجو أن يأتيه كل شيء، كما يقولون: “على الجاهز”. وفي هذا يصدق قول الحكيم «الكسلان يخفي يده في الصحفة (يضع يده في صحن الطعام) وأيضا إلى فمه لا يردها» (أمثال19: 24). لقد كان الطعام في قبضة يده، لكنه لم يستفِد به بسبب الكسل الذي منعه من أن يرد يده إلى فمه حاملة الغذاء!!

* يا للغرابة!!

- كما أنه قد تعترضني بعض الصعوبات في الفهم؛ هذه الصعوبات تتطلب أن أبذل جهدًا للبحث عن حلٍّ لها، سواء بالبحث عن مراجع من كتب أو تسجيلات، أو سؤال مؤمنين ناضجين. لكن المؤمن الكسول يفضِّل أن يتجنب هذه الأجزاء راغبًا في الطريق الأكثر راحة. وهكذا يفقد فائدة من فوائد كلمة الله. وبتكرار الأمر يجد أن ما يعرفه عن الكتاب أصبح محدودًا وأنه يدور في فَلَكِ جزء صغير منه، مع أننا نعلم أن «كل الكتاب (كما أنه) موحى به من الله (فكله أيضًا) نافع للتعليم». وبإهماله وكسله يحرم نفسه من باقي الآية أن «يكون إنسان الله كاملاً متأهِّبًا لكل عمل صالح» (2تيموثاوس3: 16، 17).

* هل ينطبق هذا على فهم كلمة الله فقط؟!

- هكذا الحال أيضًا مع الصلاة، فهي تحتاج إلى وقت وجهد لا يقبلهما الكسلان (انظر مثلاً: رومية15: 30؛ كولوسي4: 12). وكذا الحال مع سائر الأمور الروحية كحياة التقوى (2بطرس 1: 5-9؛ 3: 14؛ 2تيموثاوس 2: 15)، وبالطبع الخدمة (عزرا 7: 23؛ كولوسي2: 1؛ 1تسالونيكي2: 2).

* ما أسوأ الكسل إذًا!

- دعني أعطيك صورة توضِّح نتيجة الكسل على الحياة الروحية من سفر نشيد الأنشاد. فنحن نجد العروس (وفيها يمكننا أن نرى صورة لمؤمن) وهي تتحدث عن الحبيب (وهو صورة للرب يسوع) بأحلى الكلمات؛ لكننا نفاجأ بواقعة غريبة، إذ نسمعها، إزاء رغبته في الشركة، تقول: «أنا نائمة (صورة للكسل) وقلبي مستيقظ (أي رغم وجود الأشواق في قلبها)». ومع أن «صوت حبيبي قارعًا»، إلا أن الكسل يختلق في داخلها الأعذار الواهية: «قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟ قد غسلت رجليّ فكيف أوسِّخهما؟». فكانت النتيجة المُرّة: «لكن حبيبي تحوَّل وعَبَرَ (لقد فقدت حلاوة الشركة معه)» (نشيد5: 2-6). وبكل أسف يتكرر الأمر نفسه مع الكثير من المؤمنين إذ يستسلمون للكسل فتضعف شركتهم فيصابون بالفتور.

* لم أكن أتوقع أن الكسل يؤثِّر على الحياة الروحية بهذا المقدار!

- دعني أضيف أيضًا من كلام الحكيم: «عبرتُ بحقل الكسلان وبكرم الرجل الناقص الفهم؛ فإذا هو قد علاه كله القريص وقد غطّى العوسج وجهه (القريص والعوسج من النباتات الشوكية المضرّة وتنتج بسبب إهمال تنقية الحقل)، وجدار حجارته انهدم. ثم نظرت ووجَّهت قلبي، رأيت وقبلت تعليمًا (وليتنا نقبل جميعًا هذا التعليم): نوم قليل بعد نعاس قليل(!!) وطيّ اليدين قليلاً للرقود؛ فيأتي فَقرُك كعدّاءٍ وعوزك (احتياجك الشديد) كغازٍ» (أمثال24: 30-34). ومن هنا نفهم أن الكسل، وهو عكس اليقظة والسهر الروحيين، يؤدّي إلى نمو أشياء ضارة بالحياة، فتخنق كل ما هو نافع روحيًا في الحياة، مما يقود بالتدريج إلى حالة الفتور المؤسفة.

* فما هي نصيحتك إذًا؟!

- هي نصيحة الحكيم: «اذهب إلى النملة (وهي صورة بديعة للنشاط والمثابرة والاستمرار) أيها الكسلان. تأمَّل طُرقها وكُن حكيمًا (ونحن نحتاج جميعًا إلى مثل هذا التحريض)... (وكذا للتحذير:) إلى متى تنام أيها الكسلان؟ متى تنهض من نومك؟ (ومرة أخرى نسمع القول:) قليل نوم بعد قليل نعاس وطيّ اليدين قليلاً للرقود؛ فيأتي فقرك كساع ٍوعوزك كغازٍ» (أمثال6: 6-11).
 


* إذن لننفض غبار الكسل، ولنجتهد في الأمور الروحية فترتقي الحياة.

- هذه صلاتي من أجلك يا صديقي.
 

 

عصام خليل
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf