تقع مدينة سدوم جنوب شرق البحر الميت الذي يُطلَق عليه أيضاً بحر الملح. وذُكرت أول مرة في الكتاب المقدس في سفر التكوين10: 19. وهي إحدى مدن الدائرة الخمس التي أهلكها الله بنار وكبريت من السماء في زمن إبراهيم ولوط.

«سدوم» اسم عبري، معناه “مقيَّدة أو محروقة” وفيها نرى إشارة للخاطئ المقيَّد بقيود الخطية (لوقا13: 16؛ يوحنا8: 34). والمقيد يحتاج إلى الحرية، والحرية في الرب يسوع الذي قال «إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً».

لقد أغدق الرب على هذه المدينة بالخير الكثير، إذ كانت أرض سقي (ذات مصادر مياه دائمة) حتى أن لوط قال عنها إنها «كجنة الرب كأرض مصر» (تكوين13: 10). ولكن بالأسف لم يعترف أهلها بأن الله هو مصدر الخير لهم، بل كانوا أشراراً وخطاة لدي الرب جداً. ولقد تعامل الله معهم بالضيق لكي يشعروا، فاستُبعدوا لكدرلعومر لمدة اثنتي عشرة سنة ثم تعرضوا للحرب والسبي، إلا أن إبراهيم خلّصهم؛ ومع ذلك لم يلتفت أهل سدوم إلى إنذارات الله لهم مرة تلو الأخرى، بل تمادوا في الشر والفساد.

لقد وصفهم الروح القدس في تكوين13: 13 بأنهم «أشرارً وخطاة لدي الرب جداً». وقال الرب عنهم لإبراهيم «إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيتهم قد عظمت جداً» (تكوين18: 20؛ 19: 13). فماذا نتوقع أن تكون هذه الشرور؟ في الواقع، لقد ارتكبوا كل أنواع الشرور التي يمكن لإنسان أن يفعلها (اقرأ حزقيال16: 49).

الكبرياء

والكبرياء خطية يبغضها الله جداً ويقاومها (أمثال6: 61،71؛ يعقوب4: 6). وهي سبب سقوط الشيطان الذي قال «أرفع كرسي فوق كواكب الله... أصير مثل العلي» (إشعياء14: 13،41)، وهي التي جعلت نبوخذنصر الملك يُطرَد من بين الناس، وتساوى قلبه بالحيوان وكانت سكناه مع الحمير الوحشيين. فليحفظنا الرب من الكبرياء، ولنتعلم الاتضاع من رب المجد الذي قال «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم» (متى11: 29).

الشبع من الخبز

لقد كان هَمّ أهل سدوم الوحيد هو الشبع من الخبز، من أجل ذلك قال الرب عنهم إنهم «كانوا يأكلون ويشربون» (لوقا17: 28) وكأنهم يعيشون لكي يأكلوا فقط، ولغتهم «نأكل ونشرب لأننا غداً نموت»، وانطبق عليهم القول «إلههم بطنهم» (فيلبي3: 19). لقد شبعوا وارتفعت قلوبهم لذلك نسوا الرب (هوشع13: 6).

سلام الاطمئنان

كانوا يأكلون ويشربون ويشترون ويبيعون ويغرسون ويبنون ولم يعلموا أن نهايتهم قريبه جداً. كان في قلوبهم سلام مزيف واطمئنان وهمي، بالرغم أن هلاكهم كان قريباً جداً. وبالأسف هذا حال الكثيرين ممن لا علاقة حقيقية لهم مع الله، يظنون أنه عندما تتسع أملاكهم وتكثر أموالهم فإنهم سيكونون في اطمئنان وسلام، بينما الكتاب يقول «ليس سلام قال إلهي للأشرار» (إشعياء57: 21).

وبعد اختطاف الكنيسة سيقولون سلام وأمان لكن يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون (1تسالونيكي5: 3).

لم تُشدِّد يد الفقير والمسكين

إن الله المحب يهتم بالفقراء والمساكين، وقد أوصى شعبه بأن لا يكملوا حصاد زوايا الحقل، وما يسقط منهم في الحصاد ولا يلتقطوه بل يتركوه للمسكين والغريب (لاويين19: 9)، وقال: «افتح يدك لأخيك المسكين والفقير في أرضك» (تثنية15: 11). أما أهل سدوم فكانوا قساة القلوب، لم يعطوا المسكين بالرغم من وفرة الخبز، ولكنهم احتكروا الشبع لأنفسهم. ليعطينا الرب أن نهتم بالفقراء والمساكين ولا سيما من المؤمنين (1يوحنا3: 17؛ عبرانيين13: 16).

عمل الرجس أمام الرب

لقد تعهدت سدوم النجاسة والرجاسة والعبادة الوثنية التي ارتبطت باسمها، وصارت مشهورة بالانحراف الجنسي، هذا ما نراه في تكوين 19 عندما جاء الملاكان إلى سدوم ودخلا بيت لوط البار، أحاط بالبيت رجال المدينة من الحدث إلى الشيخ قائلين له «أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة. أخرجهما إلينا لنعرفهما». ياللعجب كل الشعب يجتمع ليفعل الشر والنجاسة! (اقرأ وصف حالتهم في 2بطرس2: 7).

استباحة عمل أي شيء

فعندما رفض لوط طلبهم بإخراج الملاكان، كانت إجابتهم «ابعد إلى هناك... الآن نفعل بك شراً أكثر منهما... وتقدّموا ليكسروا الباب». لقد كانت لهم إرادة عاصية متمردة وكانوا على استعداد لعمل أي شيء في سبيل إرضاء شهواتهم الخاصة.

الفجور

وهذه ما نجده عنهم في 2بطرس2: 6 لقد اتّصفوا بالفجور، والفجور هو فعل الشر باستهانة وكأن الله غير موجود.

الاستهانة بأقوال الله

وهذه هي أعظم الخطايا، فعندما ذهب لوط إلى أصهاره الآخذين بناته وقال «قوموا اخرجوا من هذا المكان لأن الرب مهلك المدينة»، كان كمازح في أعين أصهاره. وهذا بالأسف ما نجده في المستهزئين بأقوال الله ولا يعلمون أن هلاكهم قريب.

لقد صدر الحكم على سدوم بالخراب والحريق بسبب شرورها الكثيرة، وأيضاً لكي تكون عبرة للعتيدين أن يفجروا. ولقد حاول إبراهيم أن يشفع فيها ولكن بالأسف لم يكن فيها عشرة أبرار، فلم يكن فيها إلا بار واحد هو لوط، لذلك أرسل الرب ملاكين لكي يُخرِجا لوط. لقد أمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً ونار من السماء، وقلّب تلك المدن، وصعد الدخان كدخان الآتون. لقد قلبها الرب بغضبه وسخطه (تثنيه29: 23)، وكان قضاؤها مفاجئاً ومخيفاً (مراثي4: 6)، وصارت سدوم وعمورة حفرة ملح وخراباً إلى الأبد (صفنيا2: 9)، ولا يسكن هناك إنسان ولا يتغرب فيها ابن آدم (إرميا49: 18).

ولا تُذكر سدوم بعد ذلك في الكتاب المقدس باعتبارها مدينة قائمة، ولكن تكرر ذكر خطيتها وما أعقبه من خراب؛ فقد أصبحت عنواناً للشر وغضب الله على الخطية. وسيبقى المبدأ أن الشعب أو المدينة التي تتمادى في فعل الشر والخطيئة والنجاسة والفجور، فإن هلاكها قريب.

هذه هي نهاية الشر الأكيدة.. فهل تبقى في شرك فتهلك؟! أم تعود بالتوبة الحقيقية إلى الرب فتخلص من الغضب الآتي؟

ليعطنا الرب كمؤمنين أن نعيش بالتقوى والأمانة والقداسة العملية ولا نشترك في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري نوبخها ونقول مع يعبيص «لتحفظني من الشر حتى لا يتعبني» (1أخبار الأيام4: 10).