2009 96

ينبوع في أمثال الرب يسوع

Bookmark and Share

من ألقاب ربنا يسوع في زمن تجسده لقب «المعلِّم» (يوحنا13: 13)؛ فعن شخصه ليس مثله معلِّمًا، وعن تعليمه كان يعلِّم بسلطان وليس كالكتبه (متى7: 29). ومن تعاليم الرب الكثيرة، سنتأمل - بنعمة الرب - في الأمثال التي نطق بها في حياته، لنتعلم منها بعض الدروس النافعة. «وبأمثال كثيرة كان يكلِّمهم... وبدون مثل لم يكن يكلمهم» (مرقس 4: 33، 34). ومعظم الشرّاح اتفقوا علي أن أمثال الرب هي 35 مثلاً، وردت في البشائر الثلاث متي ومرقس ولوقا.

لماذا تكلمهم بأمثال؟

سؤال من التلاميذ للمعلّم (اقرأ متى 13: 10–17). ومن إجابة الرب نخرج بالآتي:

1- قصد الرب يسوع أن يوصِّل لسامعيه الأمور الإلهية العظيمة والعميقة بسهولة ووضوح؛ لكى يستوعبها ويفهمها بسطاء القوم كالصيادين والفلاحين والبنّائين. فبأسلوب شيق، نزل الرب بالكلام إلى مستوى قدرات الناس على الفهم، باستخدام التعبيرات الخاصة بهم. فلكي يقرِّب تعاليمه لأذهان مستمعيه أخذ من الأشياء الطبيعية الشائعة والواضحة، ومن الأمور المعروفة في المجتمع والتي يشاهدها الناس في الحياة اليومية، أخذ تشبيهات حتى إن كل من يرى هذه الاشياء ويتأملها، يرى فيها أمور الله، بل وقلبه أيضًا. فمَنْ مِنَ الناس لا يرى الزرع أو الأشجار أو البناء أو الصياد...

2- كلام الرب قسم الناس إلى فريقين:

(أ) أناس أُخفيَ عليهم بإرادتهم. هؤلاء من رأوا وسمعوا كثيرًا، ولكن «لهم عيون ولا تُبصر وآذان ولا تسمع»؛ أي مُصرّين على عدم النظر لنور الإنجيل الساطع، وعدم السمع لصوته الواضح؛ راغبين أن يستمروا في جهلهم عن أن يرجعوا للرب فيشفيهم.

(ب) الفريق الثاني، وهم المؤمنون، فقد أُعطي لهم أن يعرفوا، وأن يروا، وأن يسمعوا أسرار ملكوت السماوات. فقط عليهم أن يغوصوا في منجم كلمة الله المليء بالجواهر، فيستخرج كل واحد لنفسه ما يستطيع حمله «ومن له سيعطي ويزاد».

مثل الزارع

أول الأمثال وأشهرها، وقد ورد في متى 13، مرقس 4، لوقا 8. وهو يحكي عن مصير حبوب أُلقيت علي أنواع مختلفة من التربة. وفيه نرى أنواعًا مختلفة من الناس، ومواقفها من كلمة الله.

تكوين المثل: يتكون من ثلاثة عناصر رئيسية: الزارع – البذار - التربة.

الزارع

هو الرب يسوع، الذي أتى من السماء ليزرع الأرض ببذار إنجيل النعمة. ومن بعده الرسل وخدّام الإنجيلـ كقول الرسول بولس إذ اعتبر خدمته زرع للأمور الروحية «إن كنا نحن قد زرعنا لكم الروحيات» (1كورنثوس 9: 11).

صفات الزارع

1- لا يرصد الريح؛ أي لا يعطي اعتبارًا للصعوبات (جامعة 11: 4).

2- يزرع في الصباح والمساء؛ من بداية العمر إلى نهايته (جامعة 11: 6).

3- لا يزرع خصومات وانشقاقات بين الآخرين (أمثال 6: 19).

4- لا يزرع لجسده؛ حتى لا يحصد فسادًا، بل للروح (غلاطية 6: 8).

5- أن يمتلك البذار التي يزرعها، أي له دراية بكلمة الله (تكوين 47: 23).

6- يزرع بالبركات لا بالشح (2كورنثوس9: 6).

7- يتحلى بالأحشاء الرقيقة التي يلازمها البكاء والدموع (مزمور 126: 5، 6).

البذار

واضح، من تفسير الرب للمثل، أن البذار أو الحبوب هي كلمة الله. وكما أن الزارع هو الرب، فلا ننسى أنه أيضًا حبّة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت لتأتي بثمر كثير (يوحنا 12: 24).

التربة

البذار نوع واحد، لكنها سقطت علي 4 أنواع من التربة. والإنجيل يقدَّم إلى جميع فئات الناس.

1- أرض الطريق: هم من يسمعون ولا يعطون اهتمامًا للكلمة، فتدخل من أذن وتخرج من الأخرى، وقلوبهم وعقولهم مغلقة. فلا مكان لكلمة الله في حياتهم. هؤلاء فريسة سهلة للشيطان الذي يأتي ويخطف الكلمة. (العدو هنا هو الشيطان).

2- الأرض المُحجرة: عيّنة أخرى من الناس، لها الحماس السريع والعواطف الجياشة والانطباعات الجيدة عند سماع الكلمة؛ إذ يقبلها بفرح، وفي وقت قصير يتفوق على بعض المؤمنين في المظاهر الروحية. وهذا تعامل سطحي فقط، بلا عمق للكلمة أو أساس للإيمان فيهم. ومتى جاء الوقت الذي يتطلّب التضحية بأمور الجسد أو متعة النفس، يظهر علي حقيقته. وهذا ما نراه ونلمسه – بكل أسف – في كثيرين من رواد النهضات الروحية. (العدو هنا هو الجسد).

3- أرض الاشواك: أرض تسقط فيها الحبوب وتنمو، لكنها لا تُعطي ثمرًا. عيّنة ثالثة من الناس، كثيرو الانشغال بالحياة واهتماماتها، والتي تُعَدُّ عائقًا كبيرًا عن الاستفادة بكلمة الله، والتي تتمثل في مثلنا في ثلاثة جوانب: (أ) هموم الحياة، (ب) غرور وغنى الحياة، (ج) شهوات وملذات الحياة. أمور يسقط فيها الفقراء والأغنياء. (العدو هنا هو العالم).

4- الأرض الجيدة: تُربة تغلغلت فيها البذار؛ قلب اخترقته كلمة الله الحية الفعالة الخارقة لمفرق النفس والروح والمفاصل، فاستقرت في القلب الصالح، وبقليل من الوقت والصبر يثمرون، والثمر يتزايد (30 – 60 – 100).

نرى إذًا أنه:

في التربة الأولى: لم تنبت نهائيًا؛ بسبب الشيطان.

في التربة الثانية: نبت ولم يثبت؛ بسبب الجسد.

في التربة الثالثة: نبت وثبت ولم يستمر؛ بسبب العالم.

في التربة الرابعة: نبت وثبت واستمر وأثمر؛ إذ بقوة المسيح ينتصر المؤمن على الأعداء الثلاثة.

صديقي القارىء.. ليتك تمتحن قلبك في ضوء ما قرأت؛ فأي نوع من التربة أنت؟ وكيف تتعامل مع كلمة الله؟ ليتها تكون سبب بركة لحياتك. وإلا فاحذر؛ لأنها ستكون شاهدة عليك يوم دينونتك.

معين بشير
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf