تيخيكس المحظوظ

“تِيخِيكُسُ” اسم يوناني معناه “محظوظ” أو “سعيد”، وقد ورد ذكره خمس مرات في العهد الجديد (أعمال٢٠: ٤؛ أفسس٦: ٢١؛ كولوسي٤ ٧؛ ٢تيموثاوس٤: ١٢؛ تيطس٣: ١٢). وهو اسم مؤمن مسيحي من أَسِيِّا، ورفيق لبولس الرسول في الخدمة، وفي الرحلات التبشيرية، وأيضًا في سجنه؛ الأول والثاني، في رومية.

ونسمع عنه للمرة الأولى برفقة تُرُوفِيمُس الأفَسُسِيَّ، في أعمال٢٠: ٤، كرفيق للرسول بولس. في عودته من رحلته التبشيرية الثالثة. أما آخر ذكر له ففي الرسالة الثانية إلى تيموثاوس، في سجن الرسول بولس الثاني في رومية «أَمَّا تِيخِيكُسُ فَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَى أَفَسُسَ» (٢تيموثاوس٤: ١٢).

وأثناء سجنه الأول في رومية، أوكل الرسول بولس إلى تِيخِيكُس مهمة هامة جدًا؛ تسليم رسالتي أفسس وكولوسي، للكنائس هناك.

أما عن صفاته الأدبية الرائعة فنقول:

(١) تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ (أفسس٦: ٢١؛ كولوسي٤: ٧):

«الأَخُ»؛ لقب غالٍ يُذكّرنا بعائلة الله، والمحبة الجامعة لأبناء الله، في كل مكان، رغم اختلاف اللون والجنس واللغة. ولقد قال الرب يسوع لتلاميذه: «أَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ» (متى٢٣: ٨؛ رومية٨: ٢٩).

«الْحَبِيبُ»؛ ما أروع أن تجتمع “المحبة” مع “الإخوّة” لتُكوّن ما يُعرف “بالمحبة الأخوية” التي تعلَّمها المؤمنون من الله (١تسالونيكي ٤: ٩). وعادة تتكلَّف المحبة التعب، لأجل الرب، ولأجل الإخوة، فيظهر «تَعَبَ المَحَبَّةِ» الذي لا ينساه الله (عبرانيين٦: ١٠).

(٢) تِيخِيكُسُ الْخَادِمُ الأَمِينُ فِي الرَّبِّ (أفسس٦: ٢١؛ كولوسي٤: ٧):

كان تِيخِيكُسُ أخًا حبيبًا في علاقته “مع الآخرين”، وخادمًا أمينًا “مع نفسه”. والأمين هو الشخص الخائف الرب، المُقيم في محضره، السالك قدامه في كل حين (نحميا٧: ٢؛ دانيال٦: ٤؛ تكوين٣٩: ٩). والأمانة أهم الصفات الشخصية وأعظمها، وهي الصفة التي تنهض في يوم الدين كالقياس الصحيح للسلامة الروحية: «كُنْتَ أَمِينًا» (متى٢٥: ٢١، ٢٣؛ لوقا١٩: ١٧).

ونلاحظ أن الرسول بولس يصف تِيخِيكُس باعتباره «الْخَادِمُ الأَمِينُ فِي الرَّبِّ» (أفسس٦: ٢١)، وأيضًا باعتباره «الْعَبْدُ مَعَنَا فِي الرَّبِّ» (كولوسي ٤: ٧). «فِي الرَّبِّ»؛ هذه العبارة تعني مؤمنًا مُطيعًا للرب، كما أنه “في محضر الرب” يُقيم، و“بقوة الرب“ يعمل.

(٣) تِيخِيكُسُ العبد مع الرسول بولس (ورفقائه) في الرب (كولوسي٤: ٧):

لقب العبد هو أحد الألقاب المُحمَّلة بالمعاني. فالمؤمن ليس مِلك نفسه، لكنه عبد لله (تيطس١: ١؛ يعقوب١: ١). والشيء الذي ينتظره الله من عبده، هو الطاعة المطلقة، والأمانة الكاملة في تنفيذ الرسالة التي ائتمنه عليها سَيِّده. وأيضًا الخضوع التام، والخوف والارتعاد في ممارسة الخدمة.

(٤) تِيخِيكُس رفيق بولس في السفر وفي الخدمة وفي السجن (أعمال٢٠: ٤؛ ٢١: ٨):

كان تِيخِيكُسُ محظوظًا - كمعنى اسمه - إذ كان رفيقًا لبولس الرسول في الخدمة، وفي الرحلات التبشيرية، وأيضًا في سجنيه: الأول والثاني، في رومية. ومما لا شك فيه أن الرسول العظيم، بقدوته الفريدة، والمسيح المُتصوّر فيه، كان له أعظم الأثر في نفس تِيخِيكُس. وكان له تأثيره الكبير في إظهار نفس صفات المسيح، وسجاياه الأدبية، كما في كل رفقائه.

يا ليتنا نطلب صحبة أولئك الذين هم أكثر تكريسًا «المُسَايِرُ الحُكماء يَصِيرُ حَكيمًا، ورَفيقُ الجُهَّالِ يُضَرُّ» (أمثال١٣: ٢٠)، «رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ» (مزمور١١٩: ٦٣). ويا ليتنا نُطيع التحريض «اتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (٢تيموثاوس٢: ٢٢). ويا ليتنا نُصغي إلى هؤلاء الذين نستطيع تمييز الحكمة الإلهية فيهم، ولكن الأفضل من ذلك أن نُسايرهم ونسير برفقتهم لأن «الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (١كورنثوس١٥: ٣٣)، أما مرافقة الحكماء فتقود إلى الحكمة، بينما معاشرة الجُهَّال تؤول إلى البُطل والضرر، إذ تؤدي إلى الخراب الأدبي والروحي.

(٥) تِيخِيكُسُ رسول بولس الأمين (أفسس٦: ٢٢؛ كولوسي٤: ٨):

لم تقتصر إرسالية تِيخِيكُس على تسليم الرسائل التي بعث بها الرسول بولس، لكن إرسالية تيخيكُس كانت ستخدم غرضين آخرين: (أ) إعلام القديسين بأحوال الرسول بولس في سجنه؛ أي كيف تسير الأمور معه، والالتماس الذي رفعه إلى الإمبراطور، وثقته في إطلاق سراحه قريبًا؛ «يُعَرِّفُهُمْ جَمِيعُ أحْوَالِه». (ب) تعزية وتشجيع قلوب المؤمنين، وتبديد المخاوف غير اللازمة (أفسس٦: ٢٢؛ كولوسي٤: ٨). والتعزية، أي التشديد أو التشجيع (كولوسي٢: ٢)، كانت خدمة تِيخِيكُس بشكل عام تُساهم في ثبات القديسين.

(٦) تِيخِيكُسُ مُرسَل جدير بالثقة:

كان تِيخِيكُسُ جديرًا بالثقة التي أولاه إياها الرسول بولس، فقد أرسله المرة تلو الأخرى في مهام خطيرة. وغلب طابع الإرسالية على خدمته، وحيثما أرسله الرسول ذهب. حمل أخبار الرسول للكنائس، وحمل أخبار الكنائس له. بل حمل رسائله أيضًا. ويا لها من ثقة وُضعَت فيه، لأنه ربما كان يحمل النسخة الوحيدة من الرسائل التي كتبها الرسول، مسوقًا من الروح القدس؛ الغذاء الدسم لكنيسة الله عبر الزمان.

(٧) تِيخِيكُسُ بدأ حسنًا وانتهى أحسن (تيطس٣: ١٢؛ ٢تيموثاوس٤: ١٢):

كان تِيخِيكُسُ مُكرَّسًا للمسيح؛ بدأ حسنًا وانتهى أحسن، ولم تفتر همته مع الوقت، بل لسنوات طويلة خدم الرب يسوع. ونشاطه في أمور الله لم يكن مظهرًا وقتيًا، بل ظل معه لسنوات عديدة. والإشارات الخاصة به، والممتدة من سفر الأعمال إلى الرسالة الثانية إلى تيموثاوس، تُشير إلى استمراره في العمل الجدّي في خدمة الرب، مع الرسول بولس (أعمال٢٠: ٤؛ أفسس٦: ٢١؛ كولوسي٤: ٧؛ تيطس٣: ١٢؛ ٢تيموثاوس٤: ١٢). وأثناء سجن الرسول بولس الثاني في رومية، حينما عظم الاضطهاد، وكثر الارتداد، مما جعل الرسول يكتب بحزن: «أَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا أَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ فِي أَسِيَّا ارْتَدُّوا عَنِّي» (٢تيموثاوس١: ١٥)، كان تِيخِيكُسُ بين الأمناء، الذين أبهجوا قلب الرسول بولس في تلك الحقبة المُظلمة، وكان لا يزال نافعًا للخدمة كعادته، ولا يزال مبعوثًا أمينًا مُتاحًا دائمًا لخدمة الرب، ولخدمة الرسول المأسور. ويا ليتنا جميعًا هكذا!