عدم الاستمرارية

تحدثنا أحبائي الشباب في العدد السابق عن أهمية وجود غرض صحيح أعيش لأجله، وخطورة عدم وجود هدف أو غرض أسعى له من خلال حياتي. أيضًا سردنا بعض الأفكار عما قد يكون هدف عام يشترك في كل المؤمنين، وهو أن تكون حياتي انعكاس لحياة المسيح، كما يعكس القمر نور الشمس اللامعة. وفي هذا العدد نواصل الحديث عن وجود غرض خاص من الرب لحياة كل واحدٍ منا.

ثانيًا هدف خاص:

مع وجود هدف عام لكل المؤمنين، أيضًا يوجد غرض وهدف خاص لكل مؤمن يقوده الرب إليه خلال حياته. فيقول الرب لإرميا «قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ» (إرميا١: ٥) وهنا نرى أن غرض الله لإرميا أن يكون نبيًا لتوصيل رسالة الله للشعوب. وكذلك يقول بولس: «وَلَكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لِأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ...» (غلاطية١: ١٥، ١٦). وهنا نرى بوضوح أن هناك غرض واضح لحياة بولس أن يكون الرسول الذي سيحمل رسالة الإنجيل للأمم. أوجدنا الله كأعضاء في جسد واحد، وكل واحد منا له:

موهبة خاصة: يحدثنا الكتاب عن وجود أنواع مختلفة من المواهب الروحية المعطاة من الرب لكل عضو في جسد المسيح «ولكن لكل واحدٍ مِنّا أًعطيت النعمة (الموهبة)...» (أفسس ٤ :٧).

عمل خاص: إن غرض الرب لكل عضوٍ في جسده أن يكون له عملٌ معين يقوم به لفائدة شعب الله، إذ يقول «…وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ» (رومية١٢: ٤)

مكان خاص: أوجد الرب كل واحد فينا وسط مجموعة معينة، وغرض الرب أن يستخدمني وسط هذه المجموعة بصورة معينة لبنيانها. «وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ كَمَا أَرَادَ» (١كورنثوس ١٢: ١٨).

ما أروعه امتياز أن نكون من أعضاء جسد المسيح، حيث كل عضو لا يفكر في نفسه، بل بدافع المحبة يسعى لفائدة بقية الأعضاء، ويهتم باحتياج بقية المؤمنين، ويسعى لنمو وبنيان الجسد كله.

كيف أعرف قصد الرب الخاص لحياتي؟

كلمة الله: «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مزمور ١١٩: ١٠٥) إن دراستي لكلمة الله وعلاقتي الحية مع الله لها دور محوري لمعرفة فكر الله لحياتي. أيضًا يقول الكتاب: «لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ، وَتَوْبِيخَاتِ الأَدَبِ طَرِيقُ الْحَيَاةِ» (أمثال٦: ٢٣). لكي أتمم قصد الله في حياتي عليّ أن أفهم الرب بصورة أعمق وأقرب، وكلمة الله هي المنهج والمجال الذي من خلاله أستطيع أنمو في معرفتي لله وأُميز صوته.

الانتظار: إن فكر الرب يُعلن بصورة تدريجية «أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِق، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ» (أمثال٤: ١٨) في معظم الأحيان يعطي الرب نوره خطوة فخطوة. قال الرب لإيليا اذهب تراء لآخاب، بعد طاعة إيليا لهذا الأمر كان الأمر التالي أن يختبئ عند النهر، وبعدها أن يذهب إلى الأرملة التي في صرفه. (١ملوك ١٧: ١-١٠) وهكذا الحال معي، كلما أطعت الرب في أمرٍ ما، عليّ الانتظار بصبر الإرشاد للخطوة القادمة، ولا يجب عليّ أن أتحرك قبل وجود توجيه واضح من الرب لفعل ذلك.

التسليم: رومية ١٢: ١، ٢. إن التمسك بالإرادة الذاتية أحد أكبر المعطلات التي تمنعنا من تمييز صوت الرب. أن إدراكي لرأفة الله معي وما أظهره من إحسان ورحمة يدفعني لتقديم نفسي بالكامل ذبيحة حية، وهذا يجعلني في حالة أدبية أستطيع تمييز إرادة الله لحياتي. حياة يعقوب تميزت بالإرادة الذاتية وعدم التسليم لفكر الله. قضي يعقوب فترة طويلة من حياته بهذا الحال يفعل ما يمليه عليه فكره دون الرجوع والاستناد على فكر الرب، حتى اللقاء الذي تم مع الرب في تكوين ٣٢: ٢٤ حيث صارعه ملاك حتى طلوع الفجر وبعد كسر حق فخذه - أي كسر إرادته الذاتية - بعدها تعلم يعقوب التسليم لإرادة الله. من الملاحظ أن عند هذه المرحلة غّير الرب اسم يعقوب إلى إسرائيل (أمير الله) ليعطيه هوية جديدة ومرحلة جديدة فيها يتعلم يعقوب الاستناد والاتكال على الله.

مشغولية قلبي: حبقوق ١: ١ «الوحي الذي رآه حبقوق النبي» وكلمة “وحي” هنا تعني تثقُل أو مشغولية وضعها الرب على قلب حبقوق. من الوارد في بداية العلاقة مع الرب ألا يكون هناك تمييز واضح لموهبتي أو خدمتي، وهذا وارد ولا عيب فيه. في هذه المرحلة وممكن أن أعمل في أي مجال يُفتح أمامي. لكن مع التقدم في الاختبار المسيحي يتضح تدريجيا فكر الرب وقصده. كان نحميا ذو مكانة وشأن في القصر الفارسي، لكن اهتمامه بحال شعب الله في أورشليم حركه ليسأل حناني عن أخبارهم، وإذ شكلت الأخبار عن حالة شعب الله ثقلًا شديدًا على قلبه؛ جلس وبكى وناح أيامًا وصام وصلى، وهكذا إذ تثقل قلبه بحال الشعب الراجع من السبي ووُجد في محضر الله بتذلل وانسحاق، بدأت تتضح الرؤية الإلهية أن يذهب إلى أورشليم ليُساعد في بناء سور أورشليم المنهدم وأن يستخدمه الرب في علاج بعض من المشاكل الأدبية التي كان شعب الله يعاني منها.

رأي الآخرين تمييز صوت الرب يعتمد في المقام الأول على علاقتي الشخصية مع الرب وتدريب الرب لي من خلال الظروف المختلفة. أيضًا يستخدم الرب المؤمنين ولاسيما الناضجين ليؤكد من خلالهم صوته وإرشاده لي. عندما بدأ شاول وبرنابا خدمتهما مع غير اليهود، صادق المؤمنين المعتبرين في أورشليم على هذا وأعطوهما يمين الشركة (غلاطية ٢: ٧، ٩). إذ يوجّهني الرب في عمل ما أو خدمة معينه، تكون مصادقة الآخرين على خدمتي أو موهبتي تأكيدًا لي أني أسير في الطريق الصحيح.

صديقي الشاب، صديقتي الشابة - أنه امتياز وشرف أن يكون كل واحد فينا له غرض وهدف واضح من الرب يعيش لأجله. أصلي لأجلك أن يوضح الرب فكره فهو وعد «أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ» (مزمور ٣٢: ٨).

ما أحلاها حياة تُعاش لهدف وغرض من الرب نسعى لأجله، وما أفقرها حياة تُعاش بلا هدف وبلا غرض واضح له قيمة أبدية. إن قيمة الحياة ومعناها تأتي من مقدار إدراكي لغرض الله من حياتي ومن مقدار تتميمي لهذا الغرض. كان هذا الأمر جليًا في حياة الرسول بولس إذ استطاع أن يقول قبل رحيله: «قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ» (٢تيموثاوس ٤: ٧).

إني أثق أن رغبة كل مؤمن مخلص هي إشباع قلب الرب وتمجيده من خلال السلوك التقوي القويم، وأيضًا من خلال تتميمنا لمشيئته الصالحة المرضية الكاملة لحياة كل واحد فينا. لا ترضي بأقل من ذلك!

أنت ليك قصد في حياتي لي ضامن أنه يكمل

أنت راسم لي سكة وخطة صالحة مش هاتفشل

يوم بيوم عايز أمشي فيها وأبقى خاضع بين إيديك

نفسي أتعلم أطيعك يبقى كل العمر ليك

عايز أسمع همس صوتك وأبقى ناظر بس ليك

تهدي رجلي في طريقك وأنت تنصحني بعينيك

(يُتبع)