كان أحد الأساتذة في إحدى الجامعات الروسية لا يحلو له حديث إلا الحديث عن شخصية المسيح، ليس حبًا فيه، بل بغضًا له، محاولًا التقليل من شخصه، والنيل من عمله، والاستهانة بعظاته، ومعجزاته.
وفي ذات مرة دخل قاعة الدرس لإلقاء محاضرة على الطلاب، فرفع بصره نحو صورة "ليــــنين" المعلقة فوقه، وابتسم لها، ثم اقترب من المنضدة، والتي كان فوقها دورق ممتلئ بالماء، وبخفة وسرعة، أخرج من جيبه لفافة وأفرغ محتوياتها في الدورق، فتحول الماء إلى اللون الأحمر، ثم صاح بصوت عالٍ: معــــــجزة!
هذه هي معجزة المســـــيح الأولى. ثم استطرد بالقول: لقد أخفى المسيح في كُم ثوبه مسحوق، وبخفة يد أفرغه في الماء، وتظاهر إنه حول الماء إلى خمر بطريقة رائعة أعجبت تلاميذه، لكنني أستطيع اليوم أن أنجز عملًا أعظم مما فعل المـــــــسيح، إنني أستطيع أن أحول هذا النبيذ إلى ماء مرة أخرى، فأخرج لفافة أخرى من مســـحوق، ثم وضعها في السائل الأحمر فأصبح أبيض شفافًا، وبلفافة أخرى عاد أحمر مرة ثانية.
وكان يجلس بين الطلبة واحد من الطلاب يهز رأسه، غير متأثر بما رأى، فتحدى الأستاذ قائلا: ”لقد أدهشتنا يا أستاذ بمعجزتك اليوم، لكننا نطلب منك طلبًا آخر وهو: أن تتكرم حضرتك وتشرب هذا النبيذ"؟!
وهنا صُدم الأستاذ وقال: "أنا لا أستطيع ذلك لأن المسحوق سام" فأجاب الطالب المسيحي: "وهذا هو الفرق يا أستاذ بينك وبين المسيح، وبين نبيذك ونبيذه، نبيذ المسيح يبهج ويفرح، بينما نبيذك يقتل ويسمم"! فغضب الأستاذ جدًا، وخرج من حجرة الدرس، وأمر بالقبض على الطالب وأوصى برميه في السجن، لكن أخبار هذه الواقعة انتشرت بسرعة بين طلاب الجامعة، وشجعت إيمان الكثيرين.
يقول الرسول بولس عن هؤلاء الذين يحجزون الحق بالإثم إنهم: «الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ» (رومية ٢٥:١). إنه استبدال الخيبة والندامة. هناك بعض المحلات الكبيرة تتبع سياسة ودية مع زبائنها وذلك بالسماح لهم أن يستبدلوا مشترياتهم لعلهم يكونوا أكثر رضا، ويقف الناس في طابور ليقايضوا حجمًا صغيرًا بحجم أكبر، أو لون بلون، أو أجهزة قديمة بأخرى حديثة، ونفس الشيء فإن أناس كثيرين يقفون في طابور الحياة، مستبدلين حق الله الذي في متناول أيديهم، ويقايضوا الحق الثمين بأي شيء، أو بأي شخص، لقد تاهوا عن الطريق والحق والحياة، استبدلوا الحكمة بالجهل.
يسأل أيوب سؤالًا هامًا فيقول:
«أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟ لاَ يَعْرِفُ الإِنْسَانُ قِيمَتَهَا وَلاَ تُوجَدُ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ الْغَمْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ فِيَّ، وَالْبَحْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ عِنْدِي لاَ يُعْطَى ذَهَبٌ خَالِصٌ بَدَلَهَا، وَلاَ تُوزَنُ فِضَّةٌ ثَمَنًا لَهَا لاَ تُوزَنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ أَوْ بِالْجَزْعِ الْكَرِيمِ أَوِ الْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ. لاَ يُعَادِلُهَا الذَّهَبُ.. وَتَحْصِيلُ الْحِكْمَةِ خَيْرٌ مِنَ اللّآلِئِ. لاَ يُعَادِلُهَا يَاقُوتُ كُوشٍ الأَصْفَرُ، وَلاَ تُوزَنُ بِالذَّهَبِ الْخَالِصِ فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟» (أيوب٢٨: ١٢- ٢٠).
ولأهمية السؤال يكرر أيوب: فمن أين تأتي الحكمة؟ وأين هو مكان الفهم؟ فيقول: الله يفهم طريقها وهو عالم بمكانها وقال للإنسان هوذا مخافة الرب هي الحكمة والحيدان عن الشر هو الفهم.
عزيزي وعزيزتي
لقد هلك يهوذا وضاع، لأنه باع الغالي بالرخيص، واستبدل الحق بالكذب، إذ باع سيده الغالي المسيح بثلاثين قطعة من الفضة، ورغم أنه ندم ورد الفضة، إلا إنه مضى وخنق نفسه (متى٥:٢٧).
وخاب بيلاطس الوالي وحكم على المسيح الذي شهد عنه قائلًا: بأنه لم يجد فيه علة للموت، وأطلق بارباس القاتل الممتلئ بالعلل والأدناس.
وسقط فيلكس الوالي في بالوعة النجاسة، ولم يتأثر بعظة البر والتعفف والدينونة من بولس، فألقى البر خلف ظهره، ورفض التعفف، ولم يٌبق لنفسه سوى الدينونة العتيدة.
لنتحذر من: الفضة والشهوة والشهرة