بعد أن ظهر ملاك من الله لكرنيليوس وهو في قيصرية، قال له: «الآنَ أَرسِلْ إِلَى يَافَا رِجَالاً وَاسْتَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ»، استجاب كرنيليوس مباشرة للرسالة التي سمعها، «فنَادَى اثْنَيْنِ مِنْ خُدَّامِهِ، وَعَسْكَرِيًّا تَقِيًّا مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يُلاَزِمُونَهُ، وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى يَافَا»، وفي اليوم التالي جاء معهم الرسول بطرس.
وعندما وصلوا قيصرية وجدوا كرنيليوس في انتظارهم وقد دعا أَنسِبَاءَهُ وَأَصدِقَاءَهُ الأَقْرَبِينَ. قال كرنيليوس لبطرس: «وَالآنَ نَحْنُ جَمِيعًا حَاضِرُونَ أَمَامَ اللهِ لِنَسْمَعَ جَمِيعَ مَا أَمَرَكَ بِهِ اللهُ» عبارة رائعة، تعبِّر عن الخشوع والوقار عند سماع كلمة الله، لقد كانوا يشعرون بحضور الله غير المنظور أكثر من عبدة المنظور. يا ليتنا في الاجتماعات يكون لدينا الشعور أننا في حضرة الله شخصيًا.
«فَفَتَحَ بُطْرُسُ فَاهُ» فتح فاه ليتكلم بكلمة الله، بالأسف كانت أفواه الرسل مغلقة بالنسبة للأمم، ولكن في هذا اليوم المبارك فتح بطرس فاه وتكلم بالكلمة إلى الأمم وخلصوا.
«وَقَالَ: بِالحَقِّ أَنَا أَجِدُ أَنَّ اللهَ لاَ يَقبَلُ الْوُجُوهَ» أي أن الله ليس عنده محاباة، فهو ينظر فقط إلى القلب وليس إلى الجنس أو اللون أو الشعب أو القبيلة، بل يفتقد الجميع بالسوية.
«بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ» في كل أمة، أي ليس الأمة اليهودية فقط، بل من الأمم أيضًا (رومية٣: ٢٩).
«مَقْبُولٌ عِنْدَهُ» من الذبيحة التي قدمها هَابِيلَ (تكوين٤: ٤، ٥)، نفهم أن أساس القبول ذبيحة المسيح.
بعد المقدمة، بدأ عظته القصيرة عن الرب يسوع ومسحته وخدمته وبشارته، وأنه هو رَبُّ الكلِّ، ثم موته وقيامته وظهوره للتلاميذ وأنه هو الديان ومن يؤمن به يخلص.
«الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يُبَشِّرُ بِالسَّلاَمِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ» الله تكلم إلى شعبه عن طريق الرب يسوع المسيح، عندما بدأ خدمته وكرازته بينهم، وموضوع بشارته هو السلام مع الله على الأساس الإيمان به، وهذا كان يلزم توبتهم (متى٤: ١٧).
«هذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ» أي ليس رب لليهود فقط، بل للأمم أيضًا، وفي هذا إعلان عن لاهوته، فهو «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ» (رؤيا١٩: ١٦).
«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الأَمْرَ الَّذِي صَارَ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئًا مِنَ الْجلِيلِ» أي أن حياة وخدمة الرب يسوع كانت معروفة عند جميع الساكنين في أرض إسرائيل (متى٩: ٣٥)، وكذلك الدول المجاورة (متى١٥: ٢١، ٢٢)، بالتأكيد سمع كرنيليوس عن الرب يسوع ومعجزاته وما حدث معه.
«يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ» تربى الرب يسوع في الناصرة، لذلك دُعي ناصريًا (متى٢: ٢٣)، ومُسح بالروح القدس والقوة بعد معموديته (متى٣: ١٦)، لكنه أيضًا كان «مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ» (لوقا٤: ١).
«الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا» جال الرب يسوع في كل مكان في اليهودية والجليل والسامرة، ليكرز بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ اللهِ، ويصنع الخير للجميع، فأشبع الجموع، وشفى المرضى (متى١١: ٥؛ ١٥: ٣١).
«وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ»، كم من النفوس المقيَّدة بأرواح شريرة قد تحررت، مثل مجنون كورة الجدريين (مرقس٥: ١٥)، ومريم المجدلية أخرج منها سبعة شياطين (مرقس١٦: ٩)، وكثيرون.
«لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ» كان الرب يسوع يتمتع بمعية الآب معه، ورفقته له كل لحظات حياته على الأرض (يوحنا٨: ٢٩).
«وَنَحْنُ شُهُودٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ فِي كُورَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي أُورُشَلِيمَ» كان الرسل شهودًا عن حياة المسيح القدوسة، ومعجزاته العظيمة، وأيضًا عن قلبه الرقيق، وتحننه على الجموع، ومحبته للعشارين والخطاة، وخدمته التاعبة.
«الَّذِي أَيْضًا قَتَلُوهُ» يُعلن بطرس شر اليهود وجريمتهم في صلب المسيح، وأيضًا «مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ»، وهذه الطريقة جعلته يحمل لعنة الناموس (تثنية٢١: ٢٢، ٢٣؛ غلاطية٣: ١٣)، مات المسيح على الصليب ليكون بديلاً عنا (رومية٤: ٢٥).
«هذَا أَقَامَهُ اللهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ» يعلن بطرس عن قيامة المسيح في اليوم الثالث، والقيامة هي الموضوع الرئيسي لشهادة الرسل في سفر الأعمال، وهي أحد أركان المسيحية الأساسية.
«وَأَعطَى أَنْ يَصِيرَ ظَاهِرًا. لَيسَ لِجَمِيعِ الشَّعبِ، بَل لِشُهُودٍ سَبَقَ اللهُ فَانتَخَبَهُم» بعد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، ظهر للمؤمنين به فقط، لم يظهر لجميع الشعب، بل لشهود سبق الله فانتخبهم، ويقصد الرسل الأثنى عشر (بعد اختيار متياس)، وكان بطرس واحدًا منهم.
«وَنَشهَدَ بِأَنَّ هذَا هُوَ المُعَيَّنُ مِنَ اللهِ دَيَّانًا لِلأَحيَاءِ وَالأَموَاتِ» الرب يسوع سيدين الأحياء عند ظهوره بالمجد والقوة عندما يجلس على كرسي مجده (متى٢٥: ٣١)، ولكن بعد الملك الألفي السعيد سيدين أيضًا الأموات، عندما يجلس على العرش العظيم الأبيض (رؤيا٢٠: ١١-١٥).
الرب يسوع هو المخلص، وأيضًا الديان، وكل البشر لا بد أن يتقابلوا معه، من يتقابل معه كالمخلِّص ينجو من الدينونة (يوحنا٥: ٢٤)، ومن يرفضه سوف يواجه الدينونة ثم الهلاك الأبدي.
«لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» الرب يسوع هو موضوع الكتاب المقدس كله (رؤيا١٩: ١٠)، وجميع الأنبياء الذين من الله شهدوا عن الرب يسوع وعمله، وأن كل من يؤمن به تُغفر خطاياه.
قال الرسول بولس لأَنَّ الكِتَابَ يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى» (رومية١٠: ١١) مقتبسًا من نبوة إشعياء «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي لاَ يَخْزَى مُنْتَظِرُوهُ» (إشعياء٤٩: ٢٣).
«يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا»، هذا هو أعظم شيء يحتاجه الإنسان، وهو غفران خطاياه (مزمور٣٢: ١)، وكل من غُفرت خطاياه يستطيع أن يهتف «الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا» (أفسس١: ٧).
«فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهذِهِ الأُمُورِ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ» كانت عظة بطرس بسيطة ومختصرة، وكانت نتائجها عظيمة وفورية، فالذين كانوا يسمعون الكلمة، اتضعوا وآمنوا بالرب يسوع وعمله، ثم حل الروح القدس عليهم.
كان كرنيليوس متميزًا، فجاءه ملاك من السماء برؤيا، وجاءه الرسول بطرس ليكلمه عن الرب يسوع، ثم حل عليه الروح القدس، ثم اعتمد على يد مؤمنين من يافا؛ وكان بطرس مطيعًا للرب، واستخدمه ليفتح الباب للأمم.