اتكلمنا المرة اللي فاتت عن الطفولة الروحية ومظاهرها، واكتشفنا مساوئها الكتير، وختمنا بتحريض كورنثوس الأولى ١٦: ١٣ «كُونُوا رِجَالاً.» والمقال ده هنحاول نستكشف فيه سمات الرجولة الروحية. اللي هي إجمالاً اللي بتقوله الآية: «لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْل كُنْتُ أَتَكَلَّمُ، وَكَطِفْل كُنْتُ أَفْطَنُ، وَكَطِفْل كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ» (١كورنثوس١٣: ١١)؛ يعني بالبلدي بطل “شغل عيال”.

الاهتمام بأعماق كلمة الله

في عبرانيين ٥: ١٢-١٤ كان الكاتب بيلوم على اللي باعتلهم: «لأَنَّكُمْ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ (وده المتوقع والمنطقي، لكن الواقع المؤسف:) تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ، لاَ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ». فالبالغ (يعني اللي مبقاش طفل) بقى يهمه كلمة الله بتفاصيلها: بيدور عن معنى كل جزء، ويفكر يطبقه ازاي في حياته، ويسأل علشان يوصل. بقى الكتاب المقدس غالي عليه، والاجتماعات اللي فيها درس للكتاب مهمة بالنسبة له. مبقاش يكفيه القشرة الخارجية والمعرفة السطحية، لكن يهمه العمق، وإنه بفهم الله بيفكر إزاي. والأهم إن كلمة الله بقيت بتحكم سلوكه وتملا كلامه.

يميز بين الصح والغلط

نتيجه للي فات، يكمِّل الكلام بوصفه للبالغين إنهم «بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» يعني بقى بيفرق بين إيه اللي يرضي الرب وإيه اللي يضايقه. مش أي حاجة يسمح لنفسه إنه يعملها أو يقولها أو حتى يفكّر فيها. مش كل “ترند” يمشي وراه وخلاص. ولاحظ فكرة التمرُّن وازاي بتحتاج عزيمة واستمرارية. وازاي بتوصل فكرة إننا نبتدي بالمتاح وكل يوم نكبر عن اللي قبله ونفهم أكتر.

الاكتفاء وضبط الرغبات

على عكس الطفل اللي مفيش حاجة ترضيه وتخليه مكتفي، الراجل بجد يقدر يقول مع بولس في فيلبي٤: ١١-١٣: «لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ. أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ». فالاكتفاء مش حاجات تجيني من بره تخليني مكتفي، فلو طلبت ١٠٠ حاجة، حتى لو امتلكتهم هارجع اطلب تاني. إنما الاكتفاء هو قرار باخده بإرادتي إني أكون راضي وإني أعرف أقول لرغباتي أحيانًا آه واحيانًا لأ. ومرة تاني يرجع بولس لفكرة التدريب وهو بيقول: «فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ»؛ فالتدريب لا بد منه في الحياة المسيحية وهو اللي يضمن النمو الروحي السليم. وعلى عكس الطفل اللي شايف نفسه يقدر على كل حاجة، الراجل روحيًا عارف إن مصدر قوته مش منه لكن بيهتف بانتصار «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي».

المسيح المركز والغرض

مش شوية رغبات هي اللي بتسوق الحياة وترميها مرة يمين ومرة شمال، ولا مجرد أهداف وقتية مبتكملش كتيرـ لكن واحد زي بولس كان اختياره: «يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ. لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ». ومفيش حد الموت بالنسبة له ربح إلا اللي الحياة بالنسبة له كانت المسيح. ويكمل بولس بواحدة من أروع وأشهر مقولاته: «وَلكِنْ إِنْ كَانَتِ الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي! فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا. وَلكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ (فيلبي ١: ٢٠-٢٤). قد إيه أهداف مشينا وراها وخيبت أمالنا لما وصلنالها؛ لكن اسمع بولس في آخر حياته بيقول «أَكْمَلْتُ السَّعْيَ... وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ» (٢تيموثاوس٤: ٧، ٨).

قدوة/ متوازن

كان بولس بيعتبر تيموثاوس راجل بجد رغم فرق السن ما بينهم، وكتبله يقوله: «لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ. إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ. لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ. اهْتَمَّ بِهذَا. كُنْ فِيهِ، لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا» (١تيم٤: ١٢- ١٦). والحياة المتزنة ما بين الكلام والتصرف، وما بين المحبة والطهارة... الحياة المليانة بصفات المسيح، المهتمة بالأمور المحترمة (إفادة الآخرين)، هي اللي تليق بالرجولة الروحية.

* * *

طبعًا أكيد فيه مظاهر تانية، زي الاحتمال والصبر والالتزام ... وغيرها، بس نكتفي بدول. أفكرك بتحريض بولس للمؤمنين في كورنثوس الأولى ١٦: ١٣ «اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا». وما دام الفعل جاي بصيغة الأمر يبقى فيه مسؤولية علينا لازم نتممها.

أما عن الرحلة من الطفولة للنضوج فده حديثنا المرة الجاية إن تأنى الرب.