الرجل الذي أحرق الدرج

قصة “حَنَانِيَّا وَامْرَأَتُهُ سَفِّيرَة”، المذكورة في سفر أعمال الرُّسُل ٥: ١-١١، تعزف نغمة كئيبة حزينة، وسط سيمفونية مُبهجة جميلة، تصف قصة الكنيسة في أيامها الأولى، وهي في أوج نشاطها، وعنفوان قوَّتها. فالآلاف من الناس رجعوا - بالتوبة والإيمان - إلى الرب يسوع، وأخذوا يتعبدون له معًا، وبدأوا يهتمون بعضهم ببعض خير اهتمام، حتى أن مؤمنًا بارزًا، هو بَرْنَابَا، باع حقلاً، وقدَّم ثمنه كله، لتلبية حاجات إخوته المحتاجين (أعمال ٤: ٣٢-٣٧). واقتدى حَنَانِيَّا وسَفِّيرَة ببَرْنَابَا، وقررا أن يُقدّما هما أيضًا تقدمة مؤثرة. إلا أنهما كانا يبتغيان جذب الأنظار إليهما فقط. فباعا مُلْكًا، وادعيّا أنهما تبرعا بكل شيء، فيما قدَّما فقط جزءًا من الثمن، واحتفظا بالباقي لنفسهما. لقد كان لهما القلب المُقسَّم. ويُحذّرنا الرسول يعقوب: «رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ»، ويُحرّضنا أيضًا «طَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ» (يعقوب ١: ٨؛ ٤: ٨). لقد حاولا اكتساب كرامة القديسين المُكرَّسين، دون قداسة وتكريس حقيقي.

ولكن أمر “حَنَانِيَّا وسَفِّيرَة” لم يَخفَ، فعندما واجههما الرسول بطرس بالحادثة، إذ بهما يقعان ويموتان على التوالي، أمام عيون الجميع، لأنهما كذبا على الروح القدس! وهكذا «صَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَنِيسَةِ وَعَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِذلِكَ» (أعمال ٥: ١١).

كان وراء الكذب في حالة “حَنَانِيَّا وسَفِّيرَة”، الخطيتان التوأمتان: الطمع وحبّ التظاهر. لقد أرادا أن يحتفظا بجزء من المال لنفسهما، وأن يظهرا في نفس الوقت أنهما كرَّسا كل شيء للرب، كما فعل بَرْنَابَا. ولكن بَرْنَابَا فعل هذا بإخلاص، وعن طيب خاطر، ودون كذب أو رياء.

وكما سعى الشيطان لتدمير خليقة الله الأولى، بمعصية أول زوجين: آدَم وحَوَّاء، هكذا نراه أيضًا نشطًا مرة أخرى، ساعيًا لتدمير شهادة خليقة الله الجديدة: الكنيسة التي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ، وذلك أيضًا عن طريق زوجين آخرين: حَنَانِيَّا وسَفِّيرَة. وهكذا هاجم الشيطان كنيسة الله، ليس من الخارج هذه المرة، بل عن طريق زوجين من داخل الكنيسة.

لقد كذب “حَنَانِيَّا وسَفِّيرَة” على الله، إذ حاولا خداع جماعة المؤمنين، الأمر الذي أفسد معنى شركة الجسد الواحد. فأن نعيش في شركة مع إخوتنا في الكنيسة، لهو أمرٌ يقتضي أن نعيش بأمانة، واستقامة، وصدق، وشفافية. فالمؤمن يصير مرتبطًا بشهادة الجماعة كلها، يُؤثر فيها، ويتأثر بها. وينبغي أن تكون محبتنا لإخوتنا، عديمة الرياء. وهذا يُمجِّد الرب، وينفع الجميع. وهكذا علينا أن ننظر إلى مشاركتنا ودورنا في حياة جماعة المؤمنين، بمثل الجدية التي ينظر الله إليها! ولهذا السبب تدخَّل الله بإجرائه هذا العمل التأديبي الصارم.

وعلى الرغم من قسوة العقوبة، فإن القصة تُقدِّم لنا تحذيرًا روحيًا بخصوص أهمية الصدق والنزاهة والاستقامة والشفافية والتواضع، في العلاقة مع الله، وفي الشهادة وسط الاجتماع المحلي. نعم، لقد كانت العقوبة شديدة، ولكنها أظهرت مدى خطورة النفاق والرياء والخداع، داخل المجتمع الكنسي والديني.

كما أن القصة تُظهِر لنا مُطلق سيادة الله، وكونه كليّ العلم؛ إنه – له كل المجد – يعرف كل شيء، ولا يُمكن خداعه، كما أنه لا يتساهل مع الخداع والرياء في الأمور الروحية. كان “حَنَانِيَّا وسَفِّيرَة” مخدوعين من قِبَل الشيطان، حتى إنهما صدقا أنه يُمكن ارتكاب خطية في الظلام، دون أن يعرف الفاحص لكل نيَّات القلوب، بما فيهم قلبيهما: ادعاءاتهما وكذبهما! ومن هذا المنظور يُمكن اعتبار العقوبة بمثابة إعلان عن سيادة الله ورفضه للنفاق والرياء.

والقصة أيضًا تُعلّمنا أنهُ من الأمور المحزنة المعلومة عندنا أن الطبيعة العتيقة الفاسدة باقية فينا، حتى وإن نكن مؤمنين حقيقيين. ويُمكن أن هذه الطبيعة تظهر فينا، في الكنيسة ذاتها، كما في العالم أيضًا. فمن أين التظاهر بتقوى عظيمة بين إخوتنا. ألا يكون من رغبتنا في الصيت الحسن والشهرة بينهم. ونرى هنا مثالاً مُحزنًا لأعمال الجسد في وسط أثمار المحبة الجميلة التي جعلت المؤمنين أن يفتكروا فيما للآخرين، دون مصالحهم الذاتية. ولكن آه من الجسد الفاسد الذي سرعان ما تحرك في البعض.

والقصة أيضًا تُعلّمنا حقيقة حضور الروح القدس في وسط الكنيسة، وأن الرب يُجري التأديبات حتى ولو لموت أجساد الذين اعترفوا باسمه، وتغاضوا عن التصرّف اللائق بذلك.

إخوتي الأحباء: إن الكرامة في الأوساط الروحية لا تُشترى بالمال. فعلينا أن نتحذر من الجشع والخديعة والاحتيال والكذب والادعاءات الكاذبة. إننا نرتكب خطية كبرى عندما نُرنم قائلين: “كُلُّ مَا عِنْدِي لِرَبِي”، ومع ذلك نسلب الرب في العشور والتقدمات والأوقات والطاقات، التي من حقه أولاً. فليتنا نسلك في النور، ولتكن حياتنا طاهرة وبلا دنس!