في منتصف النهار ذَهَبَتْ إلى بئر سوخار؛ خوفًا من الأنظار. أخذت جَرَّتها بحثًا عن قليل من الارتواء، وفي ذهنها كثير من الأفكار عن ماضيها التعس وخبراتها المُتعثرة. لقد ارتبطت من قَبل بخمس زيجات، وها هي تعاشر رجلًا سادسًا لم يكن زوجها.
لقد ذهبت إلى ذلك البئر من قبل مرارًا كثيرة، لكنها لم ترتَوِ قَطّ، حتى التقت بيسوع الحي، فروى ظمأها وأشبع قلبها، وأراح ضميرها، إذ أخبرها بماضيها، أراح ألم ضميرها وخبراتها التعيسة. وهنا تركت المرأة جرتها، وذهبت إلى مدينتها وأذاعت حلو بشارتها.
ليسمح لي قارئي العزيز بهذه الأفكار من خلال حديث السامرية مع مُخلص البشرية:
١- السامرية وجرة الماء
«فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً، فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَعْطِينِي لأَشْرَبَ» (يوحنا ٤: ٧). لقد صارت جرة السامرية أيقونة الحديث الخاص بين الرب يسوع والمرأة السامرية، وإن كان الماء عنصر أساسي للحياة لكن له معانٍ جميلة في كلمة الله منها:
الحق: «ولْيَجْرِ الْحَقُّ كَالْمِيَاهِ، وَالْبِرُّ كَنَهْرٍ دَائِمٍ» (عاموس ٥: ٢٤).
الخلاص: «فتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ» (إشعياء ١٢: ٣).
الكلمة: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (يوحنا ٣: ٥).
ملذات العالم: «أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا» (يوحنا ٤: ١٣)؛ فمياه العالم وقتية، لا تروي، غير نقية.
لقد اختبر الرجل الغني، عدم كفاية ماء العالم، إذ شرب منه كثيرًا، ولكنه لم يرتوِ. وبعد موته، تمنى أن ينال ولو نقطة واحدة تَبل طرف لسانه وهو مُعذب في نار جهنم ليبرِّد العذاب الذي هو فيه. أما الماء الحي فهو متاح اليوم، لا ينضب أبًدا، ومجانًا لكل من يؤمن به.
٢- السامرية وعُمق الداء
قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، لاَ دَلْوَ لَكَ وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟» (يوحنا ٤: ١١). أعطى العالم للسامرية آبارًا كثيرة ومختلفة لتشرب منها، ولكنها لم ترتوِ إطلاقًا، ومنها:
بئر التعصب: “أنا وأنت.. معتقدي ومعتقدك” وهو بئر خطير يقع فيه الكثيرون، دون أن تكون لهم علاقة حقيقة مع المسيح.
بئر القداسة الوهمية: أنت رجل يهودي وأنا امرأة سامرية، المناظر فقط. وهو بئر عميق ولا بد من التخلص منه لكي نرى الرب ونكون في علاقة حقيقية معه «وَالْقَدَاسَةَ (الحقيقية) الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ» (عبرانيين١٢: ١٤).
بئر التدين الظاهري (الاهتمام بالخارج): فقد أشارت في حديثها مع الرب معرفتها بتقاليد وتعاليم آبائها، لكنها كانت تجهل الكثير عن المسيا «ألَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟ ... قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ... قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ» (يوحنا ٤: ١٢، ١٩، ٢٠، ٢٥).
بئر الخطية والشهوة الردية: ٥ زيجات فاشلة وسادس خارج إطار الزواج.