يُبنى البيت مؤسسًا على أعمدة وقواعد، لثباته، وهكذا حياتنا، إن لم تكن مؤسسة على أعمدة وقواعد، فهي عرضة للمخاطر، واليوم في رحلة بحثنا المستمرة، عن الإيمان وفعله في أبطاله، سنقف ليس أمام بطلًا، بل سندخل معًا بيت بطلين، ونستكشف بعض من أساسات، ولما لا وهو كان شاهدًا على ثلاثة من أعظم قادة إسرائيل، فحينما أراد الرب أن يعاتب بني إسرائيل ذكّرهم قائلًا: «إِنِّي أَصْعَدْتُكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ... وَأَرْسَلْتُ أَمَامَكَ مُوسَى وَهَارُونَ وَمَرْيَمَ» (ميخا ٦ :٤).
كل عظماء العالم بعد رحيلهم، يأخذ الناس أشيائهم ويصنعوا متحفًا لها، فلندخل متحف الأبوين هذا ليس لنبحث عن أشياء، بل عن أساسات بنيا عليها بيتهما، فخرج أبناء مثل هؤلاء.
فالوحي المقدس، قبل أن يخبرنا بأسمائهما ونسبهما في خروج٦ :١٨-٢٠، أخبرنا بارتباطهما، «وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي» (خروج٢ :١)، فما أعظمه ارتباط مؤسس على الشركة الصحيحة، فكلاهما من بيت الإيمان، وقد أظهرا ذلك، كما سنرى فيما بعد، فعمرام، ومعنى اسمه “الأشخاص العالية”، ويوكابد ومعنى اسمها “يهوه مجد”؛ ينطبق عليهما قول الكتاب: «لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ» (٢كورنثوس٦ :١٤).
في أرض مصر حيث العبودية أنجبا أول طفلين، مريم وهارون، حيث قام ملك لم يعرف يوسف فأساء لبني إسرائيل وجعل أطفالهم منبوذين، لكي لا يعيشوا (أعمال٧ :١٩) فقد «أمَرَ... كُلُّ ابْنٍ يُولَدُ تَطْرَحُونَهُ فِي النَّهْرِ لَكِنَّ كُلَّ بِنْتٍ تَسْتَحْيُونَهَا» (خروج١: ٢٢)، فلو كنت مكانهم لامتنعت عن الإنجاب أو تمنيت ابنة، لكن لم يسجل الكتاب تصرف لبطلينا هكذا، بل حينما آتى صغيرهم يقول الكتاب: «بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ» (عبرانيين١١ :٢٣).
نعم كان الصبي جميل الملامح لكنهما رأيا ما هو أعظم، رأياهه جميلًا لله، وكلمة جميل تأتي بمعنى سليم بدنيًا، لقد علما أنه قد اقترب الوقت للخروج من العبودية والعودة إلى أرض كنعان، فالإيمان يصدق وعد الله الذي قال لإبراهيم «... وَفِي الْجِيلِ الرَّابِعِ يَرْجِعُونَ الَى هَهُنَا...» (تكوين١٥: ١٦). فعلمهما بالوقت وثقتهما بالله العاطي للصبي رغم صعوبة الظروف، هذا جعلهما يخافا الله، فهو الذي أعطاهما إياه وهو قادر أن يحميه ويحفظه، حتى وإن كانا ضد فرعون، ما داما هما في صف الرب، فينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس.
فكر معي كيف صمد هذا البيت وقت التجربة؟! سوف أساعدك على الإجابة بكلمة واحدة “الإيمان”. أنظر كيف تصرَّفا معًا بعد انتظار الإيمان لثلاثة أشهر، «أخَذَتْ لَهُ سَفَطا مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ» (خروج٢ :٣)، ربما تقول لي: مَنْ فعلت هي الأم بحسب خروج٢ فكيف تقول تصرفا معًا؟! ملاحظتك صحيحة عزيزي، بل وتظهر مدى يقظتك، ربما الذي نفذت هي الأم، لكن كاتب العبرانيين بالوحي يكشف أن تصرف الإيمان هذا كان بألف المثنى أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ...رَأَيَا... وَلَمْ يَخْشَيَا، فبيت المؤمنين هو شركة بين اثنين ليكونا متحدين في تربية الأبناء ورعايتهم، ياله من أساس إيماني يدعم البيت.
دعني أتامل معك في فعلهما من زاوتين:
الأولى، هل له علاقة بالإيمان أم بالجنون؟! فكيف لهما أن يضعا ابنهما وله من العمر ثلاثة أشهر، لا حول له ولا قوة، في هذا الصفط! ربما تهدأ عزيزي إن أخبرتك أن لفظة الصفط هي لفظة الفلك المرتبط بنوح، فالإيمان الذي جعل نوح يبني فلكًا لخلاص بيته، يعيد ليوكابد ورجلها الدرس أن الرب قادر أن يحمي الرضيع بواسطة الفلك، ياله من بيت ثابت مؤسس على كلمة الله وتجري فيه قصص الآباء المُشجعة، تتفق معي لم يكن جنونًا، بل كان إيمانًا، فأنا على توقع أن بينما هما يتأملان في فلك نوح، أرشدهم الرب للصفط.
أما الثانية، فهي لماذا طلته بالحُمر (البوتامين) والزفت (الأسفلت أو القار)، فالأول ربما كان لعزل الصفط فلا تتسرب إليه المياه، أما الثاني فله قدرة على توفير أسطح ملساء، لقد تعلمت من جدها نوح الذي أوصاه الرب أن يطليه من الداخل والخارج بالقار (تكوين٦ :١٤)، لقد كان في مخيلتها أن مياه النهر ستتسرب وتغرق الصبي، ففعلت هذا بالإيمان في أبسط الوسائل لحفظ ولدها، وهنا أشجع كل أم أن تستخدم أبسط الوسائل في التربية، مستندة على كلمة الله ونعمته، وتحيط أطفالها وتفصلهم كي لا يتسرب إليهم مبادئ العالم المُغرقِة، وليس من فلك للنجاة، إلا أن يكونوا في المسيح، الذي طلب من الآب من جهة المؤمنين: أن يحفظهم من الشرير (يوحنا١٧ :١٥)
عزيزي ما أروع هذا البيت، فهو كما ذكرت، يشبه متحفًا يحوي صورًا، إن أمعنت النظر فيها لن ترى إلا الإيمان الذي يرضي الله، وكما قال أحدهم: “الإيمان يكرم الله ويمجده، والله يكرم الإيمان ويكافئه”. فبيت مثل هذا تشع منه مبادئ الإيمان عاليًا لا بد من المكافأة، فلننظر ماذا فعلت السماء استجابة لثقة الإيمان. ففرعون قال: أن يموت الابن الذكر، أما السماء فقررت أن تستحيه، وبطريقة معجزية، ترق ابنة فرعون للصبي وبدلًا من أن تغرقه طاعة لأبيها، قبلت عرض مريم أخته بإحضار مرضعة للطفل، ويعود الطفل إلى ثديي أمه لترضعه ليس اللبن فقط، بل المبادئ الصحيحة الخاصة بالله، وهذا مارأيناه في موسى فيما بعد.
يا له من رد فعل للسماء، أن يتربى موسى في قصر من أمر بقتله، وأن يغرق فرعون بمركباته وينجى موسى وشعبه في وقت لاحق. إنها مكافأة السماء لأبوين بطلين في الإيمان، وإلى أن نلتقي في متحف آخر من إنشاء الإيمان، أشجعك أن تطلب مع التلاميذ زد إيماني، والرب معك.