2009 95

قـد أكمل

Bookmark and Share
وُلد هَدسون تايلور James Hudson Taylor في بلدة برانتلي بيوركشاير، إنجلترا في 21 مايو 1832م ورحل للسماء من شنجهاي بالصين في 3 ونيو 1905م؛ وهو المُرسَل الأشهر، ومؤسس إرسالية الصين الداخلية.

ولكن كيف صار هَدسون تايلور مسيحيًّا حقيقيًّا؟

نشأ هَدسون تايلور في أسرة مسيحية وكان أبوه خادمًا للإنجيل. ورغم ذهابه المستمر لاجتماعات الكنيسة لكنه لم يكن قد اختبر العلاقة الشخصية مع المسيح، ومعرفة غفران الخطايا. وكان كأي شاب في هذه السن؛ يعيش في الخطية محاولاً إشباع شهواته بطريقته الخاصة. حتى جاء صيف عام 1849م، وفي شهر يونيو حيث كان هَدسون قد احتفل منذ أسابيع قليلة بعيد ميلاده السابع عشر، وكانت أمه قد ذهبت لزيارة أختها وبعض الأصدقاء في بلدة تبعد حوالي 70 كيلومترًا عن بلدتهم. وفي ظهيرة يوم السبت تثقل قلب أم هَدسون بالصلاة لأجل ابنها؛ فدخلت إحدى الحجرات وأغلقت الباب خلفها كما قال الرب يسوع المسيح (متى7: 6)، وكانت تصلي بلجاجة وإيمان لأجل ابنها هَدسون لكي يختبر خلاص المسيح والحياة الأبدية. ليس هذا فقط، بل استمرت تصلي ساعات وهي تقول للرب: “لن أسكت وأكف عن الصلاة قبل أن تؤكِّد لي يا رب أنك استجبتَ طلبتي وفتحتَ قلب ابني لقبول الإنجيل!” وبعد مرور عدة ساعات ملأ قلبها سلام عجيب، وسمعت صوت في أعماقها قائلاً لها: “ابنك هَدسون قد صار مسيحيًّا حقيقيًّا اليوم!”

ولكن ماذا عن الابن هَدسون؟ كان في حر الصيف، وهو وحيد في المنزل؛ إذ كان هذا اليوم عطلة، يشعر بالملل والأشواق لأمه، وأراد أن يُسَلِّيَ وحدته؛ فدخل مكتب أبيه ليبحث عن بعض القصص ليقرأها، وبينما يقرأ قصة لَفَتَ نظره كتيب صغير مكتوب عليها: “عمل المسيح الكامل على الصليب”، فَشَدَّه العنوان وسأل نفسه: “لماذا لم يكتب الكاتب: عمل المسيح الفدائي أو الكفاري؟ ما معنى الكامل؟” ولما قرأ النبذة وعرف معنى العبارة السادسة التي قالها المسيح على الصليب: «قَدْ أُكْمِلَ»، ركع على ركبتيه وانهارت الدموع من عينيه وهو يُسَلِّم كل قلبه للمسيح الذي احتمل كل خطاياه، وأكمل العمل تمامًا على الصليب، وقام من الأموات. عندها شعر هَدسون بسلام الله العجيب يغمر قلبه، وذهب عنه حالاً كل ثقل خطاياه، وأخذ يسبِّح الله بفرح شديد إذ كان قد اختبر الخلاص.

بعد مرور عشرة أيام عادت الأم إلى البيت، وما أن دخلت المنزل حتى ارتمى هَدسون في أحضانها قائلاً لها: “ماما، عندي أخبار سارة لك!” وعندها قالت الأم له: “عرفت يا ابني، عرفت منذ عشرة أيام!” وعندما أخبرته بصلاتها لأجله ووعد الله لها، كان هذا الاختبار مُشَجِّعًا لإيمان هَدسون تايلور طوال خدمته التي استمرت 51 عامًا في الصين.

عزيزي القاريء، عزيزتي القارئة، «قَدْ أُكْمِلَ» هي العبارة السادسة التي قالها الرب يسوع على الصليب (يوحنا19:?30)، وهي مأخوذة من الأصل اليوناني Teleo؛ وهي تُترجِم بمعاني: أَنْهَى، وَفَّى، حَقَّق وتَمَّم (متى11:?1؛ 17:?24؛ لوقا2:?39؛ 18:?31). فالرب يسوع على الصليب أَنْهَى مشكلة الخطية ونتائجها؛ ووَفَّى ثمن الفداء؛ وحَقَّق مطاليب عدالة الله؛ وتَمَّم عمل الكفارة الذي أعطاه الله له.

أولاً: كمال ما يخص الله البار (الآب والابن)

1- كمال النبوات عن موته: عشرات النبوات تَمَّت! مثلاً: «بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ؛ فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: أَنَا عَطْشَانُ» (يوحنا19:?28؛ مزمور69:?21).

2- كمال إرساليته: «أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ». «حِينَئِذٍ قُلْتُ: هَئَنَذَا جِئْتُ. بِدَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلَهِي سُرِرْتُ» (يوحنا17:?4؛ مزمور40:?7،?8؛ عبرانيين10:?7؛ انظر يوحنا5:?36؛ أعمال2:?23).

3- كمال آلامه: كما قال: «وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا... وَيُقْتَلَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلاً: حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هَذَا! فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: ?ذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ...»، «مُوسَى وَإِيلِيَّا اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ» (متى16:?21-23؛ 17:?23؛ 20:?19؛ لوقا9:?30،?31؛ انظر1بطرس3:?18).

ثانيًا: كمال الكفارة والنجاة من النار (الإنسان)

1- إتمام متطلبات الناموس: قال المسيح: «مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (متى5:?17)؛ «لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ... فَالله إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ» (رومية8: 3، 4)؛ جاء المسيح تحت الناموس (غلاطية4: 4، 5)؛ واحتمل لعنته (غلاطية3: 13)؛ حقق غايته (رومية10: 4)، وصرنا تحت النعمة (رومية6: 14).

2- إتمام وضع خطايانا عليه: «الرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء53: 6). «حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ» (1بطرس2: 24)؛ «أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ» (1يوحنا3: 5).

3- إتمام الخلاص: «لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لوقا19: 10)؛ «الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ» (1تيموثاوس1:?15)؛ «إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحَِ يَسُوعَ» (رومية8: 1).

ثالثًا: كمال هزيمة إبليس الجبار (الشيطان)

«لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ؛ أَيْ إِبْلِيسَ» (عبرانيين2:?14)؛ بِالصَّلِيبِ «جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ والسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ»
(كولوسي2: 15).
فهل تأتي مع هَدسون تايلور، ومعي، لتثق في كمال عمل المسيح، مُصَلِّيًا الآن؟

صلاة:

يا من احتملتَ خطايايَ إلى التمام،
وتجرّعتَ عذابي لأجل ما اقترفتُ من آثام،
أنا الخاطي الذي يستحق الإعدام،
أُهديك حياتي فَمَتِّعْنِي بالسلام،
لأخدمك وأسجد لك طوال الأيام!
آمين!

زكريا استاورو
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf