2008 94

قــــورح

Bookmark and Share
“قورح” اسم عبري معناه “قرع” أو “أقرع”. وكان معاصرًا لموسى وهارون؛ وكان ابن عمهما، فقد كان ابن يصهار أخي عمرام أبي هارون وموسى (خروج6: 18، 21؛ عدد16: 1-50).

وقد تزعم ثورة ضد موسى وهارون، وكان الدافع إلى هذه الثورة هو الحسد والغيرة المُرّة. وقد اتحد معه، في هذه الثورة، داثان وأبيرام، ابنا آلياب، واون بن فالت من سبط رآوبين، ومعهم 250 من رؤساء الجماعة وذوي الاسم بين الشعب. وقد اتهم قورح، ومن معه، موسى وهارون أنهما يرتفعان على جماعة الرب.

كان قورح من سبط لاوي، وكان المفروض أن يعلِّم الشعب طريق الرب (تثنية33: 10)، لكنه قاد الشعب في ثورة عارمة من التمرد والتطاول، التي أدت في النهاية إلى هلاكه المرعب، وبطريقة إلهية قضائية لم تحدث من قبل. ودعنا عزيزي أن نتأمل في أسباب هلاك هذه الشخصية:

أولاً: التمرد والعصيان

هذه هي الحيلة الرابحة للشيطان، ليقود الإنسان بعيدًا عن الله. وغالبًا ما يعدّ لها شخصًا قوي الشخصية، ذا حجة في الإقناع، يوهم الناس بأنهم مظلومون واعدًا إياهم بالحرية. وكان قورح المستعد، والمُعَدّ لهذه الثورة. لكن الشيء العجيب هو: على من يتمرد؟ وعلى أي شيء؟ يقول لموسى وهارون «كفاكما... ما بالكما ترتفعان على جماعة الرب؟!». موسى الحليم، وهارون الخادم؛ يتهمهما بالكبرياء والتعالي!! والواقع كان هو المتعالي والمتمرد.

وحينما دعاهم موسى ليتكلم معهم، رفضوا ندائه، وأتهموه بالكذب، وبأنه لم يأت بهم إلى الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً (عدد16: 12-14). قال الله مرة لصموئيل «لأنهم لم يرفضوك أنت، بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم» (1صموئيل8: 7). أ ولم يقل الشعب صراحة لبيلاطس، بخصوص المسيح: «لا نريد أن هذا يملك علينا»، «ليس لنا ملك إلا قيصر»!!

عزيزي.. إنها ضربة قلب الإنسان المتكبر واالمتمرد، يتظاهر بالغيرة على أمور الله، والحقيقة هو رافض لله وترتيبه. فلنتحذر!

ثانيًا: الطمع وتعالي قلب الإنسان

أراد قورح، ومن سار في ركابه، أن يكون لهم المركز الذي أعطاه الله لموسي وهارون «تطلبون أيضًا كهنوتًا» (عدد16:?10). وهو تمرد على ترتيب الله؛ فلقد أعطى الله موسى الوصية، وأعطى هارون تقديم الذبيحة.

وهنا نلاحظ عدة أمور:

1. رفض ترتيب الله وصوته.. وكأنّ الله لم يوزِّع الأدوار بعدل!! في رفضهم لموسى ولهارون نري رفضهم لكلمة الله والخضوع لها. أ لم يقل الرب يسوع «الذي يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني» (لوقا10: 16). لقد تطاولوا برغبتهم في أخذ ما ليس لهم (عدد16: 9). فالله أعطاهم مركزًا في خدمته؛ لكنهم أرادوا ما لغيرهم. والكتاب يعلن أنه «لا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه، بل المدعو من الله كما هارون» (عبرانيين5: 4). وكأن قورح يقول: أنا أفضل من الباقين، أنفع لكل المهام.

2. هو رفض لابن الله، الكلمة والذبيحة. وهذا هو بيت القصيد. فلقد أرسل الله ابنه، الكلمة متجسدًا، وحملاً ليُذبَح ويرفع خطية العالم. لكن الإنسان المتمرد رفض المسيح وكلمته، بل موته وكفارته.. لذا يقول الكتاب «فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره» (عبرانيين2: 3).

ثالثًا: الازدراء بالرب صاحب السلطان

إن هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب. والرب، الخبير بقلوب البشر، يكشف لنا الداء الدفين؛ لم يكن هو التمرد على موسى، وليس هو الازدراء بخدمة الكلمة وأقوال الله والتعليم الصحيح، فالداء هو “الأزدراء بالرب شخصيًا”. فيا للهول! أ يحتقر الإنسان خالقه؟! للأسف هذا ما تكشفه كلمة الله لنا: «وقالوا كيف يعلم الله وهل عند العلي معرفة» (مزمور73: 11)، «مَن هو القدير حتى نعبده وماذا ننتفع إن التمسناه» (أيوب21: 15).

أحبائي لنتحذر من هذا الداء الخطير، وليكن للرب وكلمته وموته وكفارته، كل التقدير بل والخضوع الكامل «فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله... وازدري بروح النعمة» (عبرانيين10: 29). وما أروع ما قاله المختبِر «قلت للرب أنت سيدي. خيري لا شيء غيرك» (مزمور16: 2).

رابعًا: نهاية العصيان الهاوية والنيران

«هلكوا في مشاجرة قورح» (يهوذا 11؛ عدد16: 31-35).

كانت هذه خطية المتكبر والمتمرد الأول، الشيطان، الذي قال يومًا «أصير مثل العلي»، ثم نقرأ الحكم عليه «اهبط إلى الهاوية» (إشعياء14: 11). فيا للرعب والقضاء!

هذا ما حدث مع قورح ومن له، فنقرأ عنهم «انشقت الأرض تحتهم... وابتلعتهم وبيوتهم... فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية»؛ لقد هلكوا بخطاياهم.

أحبائي.. لنحذر من هذا الخطر والضرر: التمرد والعصيان على الله وكلمته ووصاياه؛ فمن تصلّب عليه فسلم (أيوب9:?4)؟ لنحذر أيضًا التمرد على الوالدين «أطيعوا والديكم في الرب»، وكل من أوصانا الرب بالخضوع لهم «أطيعوا مرشديكم وأخضعوا». فقد نجد في التمرد لذّة جسدية وإثبات للذات الردية، لكن أرجو أن لا ننسى أن نهايته النار الأبدية.

خامسًا: بنو قورح واحتمائهم في الرب الحنان

«وأما بنو قورح فلم يموتوا» (عدد26: 11).

ما أعظم رحمة إلهنا.. في وسط جو التمرد والعصيان، تظهر رحمة الله في قبول بني قورح الذين لم يشاركوا أبوهم هذا الشر، لكنهم ارتموا في أحضان إله كل نعمة، فلم يموتوا، فإلهنا طويل الروح وكثير الرحمة لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر.

بل أكثر من ذلك إنهم كانوا ضمن الفرق المسبِّحة في هيكل الرب، ويظهر هذا في عدة مزامير كتبوها.. اسمعهم يقولون «عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي، متى أجيء وأتراءى قدام الله» (مزمور42: 2). «ما أحلى مساكنك يا رب الجنود... لأن يومًا واحدًا في ديارك خير من ألف. أخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار» (مزمور84: 1، 10).

عزيزي... هلك قورح ومن معه؛ لتمردهم وعصيانهم، أغواهم المتمرد الأول - الشيطان - وأسمعه يقهقه عاليًا وهم يهبطون إلى الهاوية!! ويريد أن يوقعك في ذات الهاوية.

إني أدعوك، باسم المسيح المحب، أن تتوب عن كل تمرد وعصيان في داخلك، وتأتي بخضوع أمام الذي أحبك؛ فيخلصك، ويغيّر قلبك، ويمنحك طبيعة إلهية جديدة، تخضع بحب لمن بذل نفسه لأجلك، والذي يفعل لخيرك.. فهل تصلي معي صارخًا تائبًا.

سيدي ماذا تريد
إنني لست أريد
  أهدني حيث تريد
غير فعل ما تريد    
إيليا كيرلس
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf