2006 80

يمكن آخر فرصة

Bookmark and Share

تصبَّب عرقًا وهو على المنبر، يجاهد في إقناع مستمعيه بانتهاز فرصة الخلاص؛ فقد تكون الأخيرة.  كان يتحدث في وسط مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15-19 سنة، يحضرون مؤتمرًا خاصًا بهم، وقد أتوا من شتى أنحاء القُطر.  وسط كلامه, قصّ عليهم قصة شاب كان يحضر مؤتمرًا من سنوات مضت، وانتهت حياته بعد المؤتمر بقليل، كما ساق الكثير من الأمثلة والأدلة على أن ”بكرة مش مضمون“، وأن لا أحد يضمن عمره، صغيرًا كان أو كبيرًا.  وانتهى الاجتماع بكلمات الترنيمة:

دلوقتي عندك فرصة     يمكن آخر فرصة­­­­­­­­

كان من بين حاضري المؤتمر مجموعة كبيرة من الشباب، أتوا من منطقة واحدة، من إحدى ضواحي القاهرة المزدحمة.  لما انتهى الواعظ من عظتِه، اتجهَ إليه البعض من هذه المجموعة، متهكّمين ساخرين، طالبين منه أن يكفّ عن اختلاق القصص الوهمية محاولاً أن يرعبهم، فهم مقتنعون أن العمر أمامهم طويل طويل.

على النقيض من هؤلاء، كان منهم ”مينا“ البالغ من العمر 15 عامًا، وكان له موقف آخر.  ودعني أقصّ عليك قصته.

شأنه شأن الكثير من أترابه، كان يعلم القليل عن الأمور الروحية، يهتم بأمور كثيرة في حياته ملتهيًا بها عن حياته الأبدية.  ألحّ عليه أحد أقربائه أن يذهب معه إلى مؤتمر الشباب الناشئ.  لم يُرِد في البداية أن يذهب، لكنه رضخ أمام إلحاح قريبه، وأتى معه إلى المؤتمر.  مرّ يومان من المؤتمر، والحال مع مينا على ما هو عليه: يسمع وليس أكثر.  على أنه، أمام دعوات الرب المتكرِّرة له في الاجتماعات والترنيمات وكلمات العاملين بالمؤتمر؛ شعر باحتياجه للخلاص، وتيقَّن أن هذا الخلاص في المسيح وحده لا سواه، فهو الذي بعمله الكامل على الصليب وفَّى دين الخطية الرهيب.  وامتلأ قلبه باليقين أنه ينبغي أن ينتهز الفرصة الآن.  وهكذا فتح قلبه للمسيح، راجعًا إليه بتوبة حقيقية صادقة عن كل خطايا الماضي، وقبِله مخلِّصًا وربًّا على حياته.

بدا تغيير الحياة يظهر جَليًّا على مينا طوال ما بقي من المؤتمر، فبدا فرِحًا مستمتعًا بكل جزئيات المؤتمر، مشاركًا بقوة في الترنيم والصلاة وأنشطة المؤتمر المختلفة.  وعاد إلى بيته إنسانًا جديدًا.  عاش مينا حياته الجديدة: مترنِّمًا، سعيدًا، مُحِبًّا للربِّ وكلمته، نافعًا لكل من حوله.  لاحظ أهله التغيير في سلوكه بعد عودته، وتعجّبوا جدًا مما حدث.

مرت أيام قليلة جدًا، قبل أن يحدث ما لم يكن يتصوره أحد.  فبعد أقل من أسبوعين من نهاية المؤتمر، خرج مينا ليوصِّل بعض الأغراض إلى والده في مكان عمله.  وفي طريق ذهابه إلى المكان الذي كان يقصده، كان يعبر السكك الحديدية لقطار يمرّ بالقرب من بيتهم.  وبكيفية لم يعلمها أحد، صدَمَه القطار المُسرِع، فانتهت حياته على الفور.

تلقّى المسئولون عن المؤتمر الخبر بصدمة بالغة.  ذهب قائد المؤتمر مع الواعظ لتعزية أسرة مينا، ودموعهما في أعينهما.  هناك، في بيت مينا، سمعوا كلمات الأب المصدوم: ”مينا لما رجِع من المؤتمر قال لي بالحرف الواحد: أنا اسمي انكتب في سفر الحياة يا بابا.  قُلت له: ماذا يعني هذا يا بني؟!  قال: ستعرف في ما بعد.  فهل يمكن أن تشرحوا لي هذا؟“.  كانت فرصة لتقديم المسيح للأسرة بأكملها، لأن شهادة حياة مينا خلال الأيام الأخيرة من حياته مهَّدت الطريق، فقد رأوا فيه كيف يغيِّر المسيح.

وكم كانت التعزية كبيرة للجميع أن يعرفوا أن مينا ربح حياته الأبدية قبيل انتهاء حياته هنا على الأرض بقليل.  لقد انتهز ”آخر فرصة“ فاغتنمها وربح ربحًا أبديًا.

صديقي.. قال الحكيم، وليتك تصغي لما قال: «لأنَّ الإنسان ذاهب إلى بيته الأبدي» (جامعة12: 5).   فهل تعي هذه الحقيقة؟  وهل أعدَدت نفسك لها؟  هل أسمعُك، بعد، تقول إن الحياة طويلة؟!  إذًا اسمع ما قاله الفاهمون عن الحياة والذين اختبروها في عُمق معناها:

قال أيوب «أيامي أسرع من الوشيعة (نول النساجين والذي يدور بسرعة) وتنتهي بغير رجاءٍ.  اُذكر أن حياتي إنما هي ريح... أيامي أسرع من عَدّاء، تفُرّ ولا ترى خيرًا... الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعبًا.  يخرج كالزهر ثم ينحسم ويبرح كالظل ولا يقف... أيامه محدودة وعدد أشهُرِه عندك وقد عيّنت أجله فلا يتجاوزه» (أيوب7: 6،7؛ 9: 25؛ 14: 1-5).  فما أسرع ما تمضي هذه الحياة!

وقال داود «هوذا جعلت أيامي أشبَارًا، وعمري كلا شيء قدّامك. إنما نفخة كل إنسان قد جُعِل.  إنما كخيال يتمشى الإنسان... يذخر ذخائر ولا يدري من يضمّها» (مزمور39: 5،6).  إذًا ما أقصرها!

وقال موسى في مزمور90 «أفنينا سنينا كقصة»، وكما أن أي قصة تنتهي سريعًا، هكذا الحياة.  وأهم ما في القصة هو نهايتها، فماذا عن قصتك ونهايتها؟!  يضيف موسى بالقول عن سنين العمر «أفخرها تعب وبلية. لأنها تُقرَض سريعًا فنطير»، وهذا يقوده إلى طلبة من الرب «إحصاء أيامنا هكذا علِّمنا فنؤتى قلب حكمة».  هيا فاطلب أن يؤتيك الرب الحكمة بمعرفة كم هي قصيرة الحياة.  هيا لأن «الآن وقت مقبول.  هوذا الآن يوم خلاص» (2كورنثوس6: 2)، وغدًا لا ندريه.

وقال يعقوب كاتب الرسالة معنِّفًا من ظنّوا أن العمر أمامهم «هلم الآن أيها القائلون: نذهب اليوم أو غدًا إلى هذه المدينة أو تلك، وهناك نصرف سنة واحدة ونتجر ونربح (وما أكثر الخطط والمشاريع اليوم).  أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد (وهل تعرف أنت أمره؟).  لأنه ما هي حياتكم؟  إنها بخار، يظهر قليلاً ثم يضمحل» (يعقوب4: 13،14).  والبخار من الممكن أن يضرّ كثيرين (إذا ما أصاب جزء من الجسم مثلاً)، لكنه إن استُخدم بطريقة سليمة (كما في محطات توليد الطاقة) فسيكون كثير النفع؛ والعبرة في من يدير استخدام هذا البخار.  دعني أسألك عن بخار حياتك: من الذي يديره؟  إن تصرَّفت أنت فيه فسيتسبب في الكثير من الضرر، لك ولكثيرين.  هيا استودعه الآن في يد خالقك القدير، وثق أنه سيكون أفضل ما يمكن أن يكون.  وثق أن النهاية السعيدة لقصتك لا يمكن أن يكتبها إلا المسيح.

هيا؛ فالفرصة أمامك وأنت تقرأ الآن، و”يمكن آخر فرصة“! 

عصام خليل
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf