2020 165

مقدمة الأسفار التاريخية

Bookmark and Share

في هذه السلسلة نتنقل من سفر إلى سفر في الكتاب المقدس من خلال نظرة عامة على الأسفار المقدسة. يمكنك تتبع هذه المقدمات من خلال بابي “سفر مفتوح” و“جميع الكتب” على موقع المجلة الإلكتروني في الأعداد السابقة. أشجعك على قراءة المقدمة ثم قراءة السفر كاملاً، بترتيب الأسفار، لتتبع الفكر الإلهي المُعلن في الوحي.

في هذا العدد نتوقف في نظرة عامة على الأسفار التاريخية في العهد القديم. حسب التقسيم الأشهر للعهد القديم تضم هذة المجموعة الأسفار من يشوع حتى أستير وعددها اثنا عشر سفرًا.

تحكي هذه الأسفار تاريخ شعب الله على مدى ١٠٠٠ سنة تقريبًا منذ دخولهم أرض كنعان واستقرارهم في الأرض ثم السبي وعودتهم مرة أخرى إلى أرضهم.

أول سؤال ربما يتبادر للذهن، لماذا كل هذه الأسفار للحديث عن تاريخ شعب؟

يجيبنا الكتاب في ١كورنثوس١٠: ١١ «فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ».

الأفراد والشعوب يعيشون قصصًا متشابهة؛ وقراءة التاريخ نافعة جدًا، وعلى الأقل ليتعلم من يريد ألا يكرر أخطاء الآخرين وأن يتعلم من نجاحاتهم. لذا حث الرب شعبه قائلاً: «اُذْكُرْ أَيَّامَ الْقِدَمِ، وَتَأَمَّلُوا سِنِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. اِسْأَلْ أَبَاكَ فَيُخْبِرَكَ، وَشُيُوخَكَ فَيَقُولُوا لَكَ».

خَصص الوحي ما يقرب من ٦٠ إصحاحُا من هذه الأسفار لشخصية داود وذلك لأنه رمز جميل للرب يسوع المسيح، ومن نسله أتى المسيح بالجسد، ولأن حياته مليئة بالتدريبات الروحية.

هذه الأسفار تعلمنا أن الله لا يُفاجأ بالأحداث، فهو يعرف النهاية من البداية، «مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي» (إشعياء٤٦: ١٠)، ليس فقط يعرفها بل أيضًا يصنعها. ليس فقط ما هو خير منها، بل ما هو أيضًا مؤلم وشر (ألم أو خسارة)! «مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ» (إشعياء٤٥: ٧). كان الله يعلم أن الشعب بعدما سيمتلك الأرض سيذهب للسبي وكلمهم عن هذا الأمر وهم على مشارف أرض كنعان (تثنية٢٨: ٤١؛ ٣٠: ٣).

يتصرف البشر في حدود حرية إرادتهم، لكن الرب له الكلمة الأخيرة في الأحداث، وهو الذي يرسم مجراها ويتحكم بخيوط الأمور «مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ» (مزمور٣٣: ١١).

تُعلمنا كذلك هذه الأسفار أن الله لا يتغير وصفاته ثابتة كما قال الكتاب «لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ، إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ» (مزمور١٠٠: ٥) وتغنى داود عنه «لأَنَّهُ وَضَعَ لِي عَهْدًا أَبَدِيًّا مُتْقَنًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَمَحْفُوظًا، أَفَلاَ يُثْبِتُ كُلَّ خَلاَصِي وَكُلَّ مَسَرَّتِي؟» (٢صموئيل٢٣: ٥).

قال واحد: “إن التاريخ يعلمنا هذا الدرس، أن الإنسان لم يتعلم شيئًا من التاريخ”، ويا ليتنا لا نكون نحن كذلك!

تبدأ هذه الأسفار بسفر “يشوع” الذي يحكي قصة دخول شعب الله لأرض كنعان، وحروبهم لامتلاك الأرض ثم تقسيمهم عليها. ثم “القضاة” الذي يحكي عن فترة من أكثر الفترات ظلامًا في تاريخ شعب الله واستمرت ٤٥٠ سنة (أعمال١٣: ٢٠). ثم يأتي سفر “راعوث” لنرى فيه كيف أنه في أسوأ الظروف، أيام حكم القضاة، الرب يصنع أجمل قصص النعمة. ثم سفري “صموئيل” حيث يبرز فشل القضاة وفشل الكهنوت، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ شعب الله عندما طلبوا ملكًا يملك عليهم مثل باقي الشعوب؛ فتتأسس المملكة وتزدهر. جدًا لكنها سرعان ما تنقسم (سفري “الملوك”) ويتوالى الملوك على مملكتي إسرائيل (المملكة الشمالية) ويهوذا (المملكة الجنوبية)، ويزداد بنو إسرائيل في عمل الشر في عيني الرب حتى يقضي الرب عليهم بالسبي.

بعد سفري الملوك يأتي سفرا “الأخبار” ليسردا نفس القصة إنما من زاوية أخرى، زاوية نعمة الله، وتتركز النظرة على المملكة الجنوبية (يهوذا) التي سيأتي منها المسيا الرب يسوع المسيح ابن داود.

بعد الأخبار تأتي أسفار السبي “عزرا ونحميا واستير” التي تصف شعب الله في السبي وتحكي قصة رجوعهم إلى أرضهم.

يُمكن تقسيم هذه الأسفار لثلاث مجموعات:

أسفار الحكم الثيوقراطي (الله يحكم على شعبه من خلال شخص) وتضم ثلاثة أسفار (يشوع وقضاة وراعوث).

وأسفار الحكم الملكي وتضم ستة أسفار (سفري صموئيل وسفري الملوك وسفري الأخبار).

وأسفار السبي وتضم ثلاثة أسفار (عزرا ونحميا واستير).

كما يُمكن تقسيمها لخمسة أقسام تقابل أسفار موسى الخمسة، فسفر يشوع الذي يحكي بداية شعب الله في أرض كنعان يقابل سفر التكوين سفر البدايات. وسفري القضاة وراعوث اللذين يحكيان عن عبودية شعب الله لشعوب أخرى نتيجة عمل الشر والمُخلصين الذين اقامهم لهم الرب يقابلان سفر الخروج، سفر العبودية والفداء. ثم أسفار صموئيل والملوك حيث يبرز الاهتمام بتابوت الرب وبناء بيت الرب يقابلوا سفر اللاويين سفر السجود والعبادة. في أسفار السبي نجد تيهان الشعب في أرض غريبة وهي في ذلك تقابل سفر العدد سفر التيهان والبرية. أما سفري الأخبار فيقابلان سفر التثنية وكلاهما يتحدثان عن فشل الشعب وأمانة الله.

تبدأ في هذه الأسفار خدمة الأنبياء متمثلة في صموئيل آخر القضاة وأول الأنبياء، أرسل الرب الأنبياء ليرجعوا الشعب للرب وليعلنوا فكره؛ لكن للأسف كثيرًا ما أساءوا معاملتهم بل وقتلوا بعضهم حتى دعاهم الرب «قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ»! (متى٢٣: ٣١). وبكل أسف كانوا يصدقون الأنبياء الكذبة.

في هذه الأسفار نتقابل مع أشخاص نرى فيهم صورًا رائعة للرب يسوع؛ كداود الذي نرى فيه المسيح ملك البر، وسليمان الذي نرى فيه المسيح ملك السلام، وأليشع النبي الذي نرى فيه المسيح رجل النعمة. المسيح هو الكاهن والملك والنبي الذي في فكر الله من الأزل. كما نرى فيها سير حياة أشخاص لُقبوا بـ “رجل الله” مثل صموئيل وداود وإيليا وأليشع.

أرجو أن تشجعك هذه النظرة العامة يا صديقي على قراءة هذه الأسفار العظيمة التي حتمًا سيكون فيها بركة لحياتك.

عماد ثروت
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf