2008 93

اشتراني وفداني... وأخرج رأسي!

Bookmark and Share
كان مُرسَلٌ في شمال أفريقيا يحاول أن ينقل معنى كلمة «فداء» إلى لغة القبيلة التي كان يخدم فيها، فطلب من مؤمن أفريقي يخدم معه أن يُعبِّر عن المعنى بلغته الأصلية، فقال الأفريقي: “نحن نقول: إن الله أخرج رؤوسنا”. وإذ ذاك سأله المُرسَل مندهشًا: “ولكن كيف يُفسِّر هذا عملية الفداء؟”.

فأخبره الرجُل أنه قبل سنين كثيرة، أسر تجّار العبيد بعضًا من أجداده، فقيَّدوهم معًا، وساقوهم إلى ساحل المحيط لكي ينقلوهم إلى أمريكا لبيعهم هناك، بعدما وضعوا حول عنق كلٍّ منهم طوقًا حديديًا ثقيلاً. وبينما أولئك العبيد يجتازون من قرية إلى قرية، ربما عرف رئيس قبيلة أخرى صديقًا من أصدقائه بين الأسرى، وعرض على تُجّار العبيد أن يدفع لهم ذهبًا أو فضةً، أو نحاسًا أو عاجًا، ولقاء المبلغ المدفوع يُفتدى الصديق الأسير، وعندئذٍ يُخرج رأسه من طوقه الحديدي، ويُطلقه حرًّا، ويُرجعه من الأسر.

ويا له فعلاً من إيضاح رائع وحيّ لمعنى كلمة “فداء”! فالخطية لم تورطنا فقط في المذنوبية أمام الله، ثم أتت بنا وجهًا لوجه أمام الدينونة، بل أيضًا قيَّدتنا في عبودية قاسية، نعجز تمام العجز عن فكاك أنفسنا منها. ولكن الإنجيل، ليس فقط يُنادي لنا بالغفران بالنسبة لمذنوبيتنا، وبالتبرير بدلاً من الدينونة، بل أيضًا يُعلن لنا الله كالفادي، مُخلِّصًا شعبه من العبودية، ومُحرِّرًا إياه من كل ما تثقل به قبلاً.

وفي سفر الخروج نجد الرمز العظيم للفداء، فقد قال الرب لشعبه الذين كانوا مدوسين تحت أثقال فرعون: «أنا الرب.وأنا أخرجكم من تحت أثقال المصريين، وأُنقذكم من عبوديتهم، وأُخلِّصكم بذراع ممدودة وبأحكام عظيمة» (خروج6: 6).
هذا كان فداء بالقوة من المصريين، ولو أننا نرى فيه أيضًا سداد ما كانوا مدينين به لله كخطاة، في دم الخروف المسفوك (خروج12)، ولما تمَّ كل شيء إلى التمام، نجد الشعب على الشاطىء الآخر للبحر الأحمر، يُرنمون: «ترشد برأفتك الشعب الذي فديته» (خروج15: 13).

أما بالنسبة لنا فإن الرسول بطرس يقول: «افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب... بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح» (1بطرس1: 18، 19)، فإن الرب يسوع المسيح مات على الصليب ليشتري لنا الحرية من عبودية الخطية. وكأنما الرب يسوع جعل لنا ثمنًا. لكن، إلى أي حدّ قدَّرنا؟ وأيّة قيمة غالية كانت لنا في نظره؟ لقد قال ما معناه: “إني أقدّرهم جدًّا؛ حتى أني مستعد أن أسفك دمي لشرائهم وفدائهم”.

وفي أفسس1: 7 نجد وصفًا لعمل المسيح الذي به حررنا من قيود الخطية ومذنوبيتها، وعرَّفنا حياة الحرية، فنقرأ: «الذي فيه لنا الفداء، بدمه غفران الخطايا، حسب غنى نعمته». فالرب يسوع هو الفادي (الذي فيه لنا الفداء)، ونحن المفديون، ودمه هو ثمن الفدية، ولا شيء غيره ينفع.

ويُخبرنا الرسول بولس في كولوسي1: 13، 14 أن الله الآب «أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبتهِ، الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا». فمشكلة الإنسان المستعصية هي الخطية التي لم ينفع معها فيلسوف أو معلَّم ديني. ولكن العددان أعلاه يصوِّران بصورة رائعة العلاج الوحيد لهذه المشكلة؛ شخص الرب يسوع المسيح. فالله الآب:

أولاً: انقذنا؛ والكلمة تعني “أنقذ من خطر داهم”. والرب لم ينقذنا فقط من ذنب ودينونة الخطية، ومن سيف عدالة الله المسلَّط على رؤوسنا، ولكن خلاصه امتدّ ليشمل التحرير من عبودية الخطية، ومن سلطان إبليس وقوى الظلمة الشيطانية برتبها المختلفة (كولوسي1: 16؛ 2: 13-15).

ثانيًا: نقلنا؛ والكلمة تعني “نقل شعب من بلد إلى بلد آخر بغرض التوطين”. والله الآب خلَّصنا من سلطان مملكة الشيطان لننتقل إلى ملكوت ابن محبته. والرب يسوع لم يحرِّرنا ثم يتركنا نسير على غير هدى، بل نقلنا إلى ملكوته؛ ملكوت المحبة والنور، بعد أن انتصر على الشيطان، رئيس مملكة الظلمة.
والتعبير «ابن محبته» يُذكرنا بشهادة الآب عن ابنه عند معموديته، وعلى جبل التجلي (متى3: 17؛ 17: 5)، وأيضًا يذكرنا بفداحة الثمن الذي تكبَّده الآب، عندما بذل ابنه المحبوب، لأجلنا. ومن الجانب الآخر يُعلمنا أن دستور هذا الملكوت مطبوع بالمحبة.

ثالثًا: افتدانا؛ وكما سبق وأوضحنا فكلمة “الفداء” تعني “حرر أسيرًا بدفعه فدية له”. والرسول بولس لم يقصد بالطبع أن المسيح دفع ثمنًا للشيطان ليحررنا، بل إنه بموته وقيامته وفَّى مطاليب عدالة الله، وسدَّد كل دين خطايانا، وأن الشيطان، عندما يحاول أن يشكونا أو يستعبدنا لأننا كسرنا ناموس الله، فلن يجني سوى الخيبة والفشل، لأن الفدية قد دُفعت على الجلجثة، وبالإيمان بالمسيح نفوز بالحرية.

رابعًا: غفران الخطايا؛ وغفران الخطايا هو نتيجة مباشرة للفداء (أفسس1: 7؛ كولوسي1: 14). وكلمة “غفران” تعني “يُطلق بعيدًا” أو “يُلغي دين”. وغفران الخطايا يعني أن الله قد محا الدين المترتِّب علينا من جرّاء خطايانا. فالرب يسوع دفع الثمن على الصليب، ولا داعي البتة إلى دفع الثمن ثانية، فالحساب حُسم امره وانتهى، والله لم يغفر لنا فحسب، بل «كبُعدِ المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا» (مزمور103: 12).

والمسيح لم يجعلنا فقط من رعاياه، بل لقد محا كل دين حتى لا نعود نُستعبد من جديد. وعندما يفحص الشيطان في ملفاتنا فلن يجد لوم أو شكوى أمام الله. وطبعًا معرفة غفران الخطايا ليست عذرًا لارتكابها، بل على العكس هي حافز على الطاعة، ووسيلة لتمتع المؤمن بالنعمة، ولتمكِّنه من الدخول في شركة مع الله.

عزيزي.. إن الرب يسوع المسيح قد مات على الصليب ليشتري لنا الحرية من عبودية الخطية ومن سلطان إبليس. لقد رُفع على الصليب لكي نُرفع نحن من هوة الخطية.
 
فهل سبق أن وضعت ثقتك في المسيح فاديًا لك؟ br>إن كان لا، فدعه الآن يُخرج رأسك من طوق الخطية الذي يستعبدك، ويُطلقك في سبيل الحرية.
فايز فؤاد
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf