2020 161

الحب في زمن الكورونا

Bookmark and Share

توفيت البلجيكية “سوزان هويلرتز” من الكورونا بعد أن رفضت أن توضع على جهاز التنفس الصناعي، وقالت للأطباء: “وفِّروا الجهاز للصغار، فهم أحق به مني، لقد عشت حياة جميلة بالفعل”. وهكذا ضحَّت العجوز البلجيكية البالغة من العمر ٩٠ عامًا بحياتها من أجل إنقاذ الأصغر سنًا. كانت سوزان قد دخلت المستشفى يوم ٢٠ مارس الماضي وهي تعاني من ضيق في التنفس وفقدان للشهية، وأثبتت الفحوصات إصابتها بفيروس الكورونا، وفاجأت الجميع برفضها التنفس الصناعي رغم تدهور حالتها، وأرادت منح الحياة للآخرين، وتوفيت بعد يومين فقط من دخولها المستشفى لعدم قدرتها على مواجهة الفيروس بدون جهاز التنفس الصناعي.

صديقي وصديقتي: ما من شك إنها قصة حب جميلة، فقد يوجد أحيانًا عطاء بلا محبة، ولكن لا توجد محبة حقيقية بلا عطاء، فالمحبة بلا عطاء هي رياء وهراء، وكما قيل: إن لم تكن المحبة عاملة، فهي لاعبة.

وقصة حب سوزان هي صدى لقصة حب أعظم، وهي محبة المسيح لنا كما تقول الترنيمة:

كل حب في الوجود

نبعه حب يسوع

كل حب في كياني

ذا صدى حب يسوع

ونستطيع أن نقول عن حب المسيح إنه حب أعظم، وذلك لأنه:

(١) حب ليس لواحد بل للجميع

إن سوزان أظهرت محبتها لشخص واحد، أما المسيح فقد أحب الجميع «وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ» (٢كورنثوس ٥: ١٥). «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.». (يوحنا ٣: ١٦). لقد دُهِشَ يوحنا من محبة الله للبشر فقال: «بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ» (١ يوحنا ٤: ٩). «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا ١٥: ١٣).

(٢) حب من شخص أعظم

فالبلجيكية هي إنسانة مريضة وضعيفة ومتقدمة في الأيام، أما المسيح الذي أحبنا فهو الله الأزلي الأبدي، لقد رآه يوحنا في رؤياه كابن الإنسان بهذا المنظر: «وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ» (رؤيا ١٤:١). إنه المسيح في أزليته كالقديم الأيام، فهو الله في جوهره الكائن منذ الأزل (يوحنا ١: ١). أما العروس في نشيدها فتصفه بأنه: «رَأْسُهُ ذَهَبٌ إِبْرِيزٌ. قُصَصُهُ مُسْتَرْسِلَةٌ حَالِكَةٌ كَالْغُرَابِ» (نشيد ١١:٥)، وهنا تصف قوته التي لا يمكن أن تضعف. وإن كانت حياة المرأة لم تكن ملكها، أما المسيح فحياته ملكه. قال عنها له المجد: «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» (يوحنا ١٨:١٠).

(٣) حب له نتائج أعظم

إن محبة العجوز البلجيكية ربما تكون قد منحت حياة زمنية لشاب صغير السن، أما محبة المسيح فقد وهبتنا حياة أبدية (يوحنا ٢٤:٥)، وخلاص أبدي (عبرانيين ٩:٥)، وميراث أبدي (عبرانيين ١٥:٩)، وبيت أبدي (٢كورنثوس١:٥)، بل ومجد أبدي (٢كورنثوس١٧:٤) فما أسعدنا بمحبة المسيح الأبدية (إرميا ٣:٣١). «(الله) اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟» (رومية ٨: ٣٢).

(٤) حب لا يخمد ولا ينطفئ

لقد انتهت محبة السيدة بنهاية حياتها، أما محبة المسيح فباقية؛ فهو حي في السماء يشفع فينا «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!» (رومية ٥: ١٠).

كم يحلو لي أن أحدِّثك عن محبته التي لن يوقفها شيء أو شخص، إنسان كان أم شيطان.

لا سبب يقدر أن

يخمد حب ذاك

مات هنا عنا كما

يحيا لنا هنا

(٥) حب فريد في اتجاهه

قد يقدِّم الناس حياتهم أحيانًا برضى من أجل من يرون أنهم مستحقين – أصدقاء أو أقرباء أو أناس صالحين – ولكن محبة المسيح أسمى لأنها اتجهت لمن هم لا يستحقونها. للذين عذبوه وكرهوه وتمردوا عليه ولم يهتموا به، أولئك الذين لم يكونوا جديرين بمحبته بالمرة. لقد اتجهت محبة المسيح ولا زالت تتجه للخطاة، والضعفاء، وللأعداء، وللفجار (رومية ٥: ٦-٨). لقد قدَّم أقصى ما يمكن أن يقدمه، لمن لا يستحقون، يقول بولس: «صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (١ تيموثاوس ١: ١٥). «وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.» (رومية ٥: ٨).

عزيزي وعزيزتي

ماذا أنت فاعل أمام محبة المسيح الفائقة؟ فالله عمل كل ما يمكن عمله لإنقاذك من سعير الجحيم الأبدي حتى لا تهلك. فهل تتجاوب حالاً معها، وتقبل الفداء المتمَّم لأجلك على الصليب. أرجو أن تغتنم الفرصة الآن وتمسك بالرب يسوع المسيح، إنه حبل النجاة، لكي تفلت بالتمام من العقاب والشقاء، وتتمتع بالفداء والشفاء.

ليتك تقبل.

صفوت تادرس
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf