2017 146

حادث القطارين

Bookmark and Share

في يوم الجمعة الموافق ١١ أغسطس ٢٠١٧، وبالتحديد في تمام الساعة الثانية والربع بعد الظهر، فاجأتنا وسائل الإعلام بأنواعها ومواقع التواصل الاجتماعي، بخبرٍ أليم، وهو تصادم قطارين: قطار رقم ١٣ اكسبريس مراكز القادم من القاهرة إلى الإسكندرية، الذي اصطدم وبأقصى سرعة من الخلف بالقطار رقم ٥٧١ الاكسبريس القادم من بورسعيد إلى الإسكندرية، والذي كان في “تخزينة” عند محطة خورشيد، وقد كان القطاران على نفس الخط من القضبان. كانت نتيجة التصادم خروج عربتين من مؤخرة قطار بورسعيد عن مسار القضبان وخروج كل عربات قطار القاهرة عن مسار القضبان أيضـًا. وأسفر الحادث عن عشرات القتلى والجرحى وقيل إن هذا الحادث هو الفريد من نوعه في تاريخ هيئة السكة الحديد بمصر.

ودعوني أيها الأحباء أن أعطي اسمين للقطارين خلاف الأسماء الرسمية المعروفة في السكة الحديد وهي القطار رقم ١٣، ودعوني أسميه قطار الزمن، والقطار رقم ٥٧١، دعوني أسميه قطار التأجيل الذي كان يركن في “تخزينة” عند محطة خورشيد بالإسكندرية.

قطار التأجيل: بالطبع كان معظم الضحايا والمصابين من ركابه، وهذا القطار أرى فيه صورة مصغَّرة لكل شخص يؤجِّل أمر خلاصه فيركب قطار التأجيل الذي يركن في “تخزينة” معينة خاصة به.

وإليك عزيزي القارئ قائمة بأنواع قطارات التأجيل وأماكن التخزين الخاصة بها كما نراها في الآتي:

١- قطار الشر والخطية: يستقله هؤلاء الذين يعيشون مستعبَدين لجميع أنواع الشرور، من جنس ومخدرات وعلاقات عاطفية، وينطبق عليهم القول «الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ... لَهُمْ عُيُونٌ مَمْلُوَّةٌ فِسْقًا، لاَ تَكُفُّ عَنِ الْخَطِيَّةِ» (٢بطرس٢: ١٣-١٤). وهم لا يدرون في أي وقت يدهسهم قطار الزمن كما دهس الغني الذي كان يلبس الأرجوان والبز ويتنعم كل يوم مترفهـًا؛ فقد دهسه قطار الزمن في “تخزينة” الملذات والمدوَّنة قصته في إنجيل لوقا (لوقا١٦: ١٩). وكما دهس أيضـًا قطار الزمن شمشون الذي كان يركن في “تخزينة” غزة عند دليلة.

٢- قطار الهجرة إلى بلاد الرغد والحرية: وهذا القطار يستقله الكثيرون ممن يسعون بخطى سريعة إلى السفر والهجرة، حتى ولو بطرق غير شرعية، ليعيشوا في بلاد الحرية ورغد العيش (ليس بحثًا عن مشيئة الله في حياتهم). وهم لا يدرون أن هذه “تخزينة” أخرى يركن فيها قطار التأجيل بملايين من البشر، وإذ بقطار الزمن يأتي خلفهم وعلى نفس القضبان وفجأة يدهسهم، كما فعل مع عائلة لوط، الذي هاجر إلى سدوم ظانـًا أنها بلد المراعي الخضراء ولم يفكِّر يومـًا أنها بلد الشر والشذوذ والإباحية، وفجأة دهسه قطار الزمن وهو في “تخزينة” سدوم. وخرج منها خاسرًا كل شيء كما يحكي لنا الكتاب عن قصته في تكوين ١٩. أيضـًا عائلة أليمالك ونعمي عندما ركبوا قطار السفر والهجرة لأجل لقمة العيش، وهاجروا إلى موآب بلد الإله كموش الذي كانوا يقدمون أطفالهم ذبيحة إليه. وإذ بقطار الزمن يدهسهم؛ فرجعت نعمي مُرَّة النفس من هجرة لم تكن بحسب فكر الرب (راعوث١).

٣- قطار الكسل والسلبية: قطار يستقلَّه كثيرون من الناس، على رأسهم الرجل الذي أخذ الوزنة ودفنها في الأرض، فعاقبه سيده قائلاً له أيها العبد الشرير والكسلان (متى٢٥: ٢٦). وقد دهسه قطار الزمن فجأة، وصار عبرة ومثالاً لكل كسول يؤجِّل أمر خلاصه على مَرّ العصور.

٤- قطار المشاريع الاقتصادية: ويستقله كثيرون ولا سيما في هذه الأيام، وفي سبيل ذلك ممكن أن يبيعوا المبادئ والقيم، مطبقين مبدأ “الغاية تبرِّر الوسيلة”. وها رائحة الفساد قد عمَّت كل مناحِ الحياة كما كان في أيام نوح التي وصفها الكتاب: «وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ» (تكوين٦: ١٢). وعلى رأس هؤلاء الغني الغبي (لوقا١٢: ١٦)، الذي كان كل همّه “البيزنس” والمشاريع الاقتصادية، ولم يفكِّر في أبديته على الإطلاق، ولكن وهو نائم بالليل دهسه قطار الزمن، وانتهت حياته وهو يركن في “تخزينة” حساب الجدوى الاقتصادية.

٥- قطار التديُّن والفريسية: وهذا القطار يستقلّه كثيرون على مَرِّ العصور؛ فمنهم من خَزَّن في “تخزينة” الإرهاب الديني مثل قايين رائد مدرسة الإرهاب الديني في العالم. ومنهم من ركن في “تخزينة” الرياء مثل الكتبة والفريسيين الذين عاشوا في زمن المسيح. ومنهم من ركن في “تخزينة” المتاجرة بالدين مثل الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وطردهم الرب يسوع. ومنهم من ركن في “تخزينة” خداع النفس مثل العذارى الجاهلات. ومنهم إلى الآن كثيرون يستقلون قطار العبادة الطقسية الروتينية دون حياة وعلاقة حقيقية مع الله. كل هؤلاء يفاجئهم قطار الزمن ويدهسهم.

نداء من كل قلبي إليك عزيزي القارئ، ولا سيما إذا كنت في سن الشباب، من فضلك قُم واسرع الآن، وانزل بأقصى سرعة من قطار الـتأجيل و“سيبك من التخزينة اللي انت فيها”. قطار الزمن قادم بسرعة رهيبة خلفك وعلى نفس القضبان التي يقف عليها قطارك.

لا تغامر بأبديتك.

يسوع يحبك.. تعال إليه الآن.

يعقوب جاد
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf