2017 145

بيان على المعلم

Bookmark and Share
رأينا في العدد السابق البيان العملي على المعلم كأعظم مُرسَل من الله، وإنه لم يأتِ من نفسه، وكيف انتظر في السماء حتى جاء ملء الزمان وأرسله الله، وكيف انتظر وتدرَّب قبل أن يباشر خدمته، وكيف أظهر الغرض من إرساليته، وما هي صفاته التي تحلّى بها وأظهرها كمُرسَل من الآب، وعلاقته بالروح القدس. وأخيرًا، ترك لنا مثالاً لكي نتبع خطواته. والآن لنلقي الضوء على المُرسَلين من الرب.
أرسلكم أنا
«ثُمَّ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَدَعَا الَّذِينَ أَرَادَهُمْ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَأَقَامَ اثْنَيْ عَشَرَ لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَلِيُرْسِلَهُمْ لِيَكْرِزُوا، وَيَكُونَ لَهُمْ سُلْطَانٌ عَلَى شِفَاءِ الأَمْرَاضِ وَإِخْرَاجِ الشَّيَاطِينِ» (مرقس٣: ١٣–١٥). وهنا نرى: من جانب الرب الدعوة، والتكليف، والمهمة، ونوع الخدمة. ومن جانب التلاميذ الطاعة، والشركة معه.

الارسالية: أولًا ليست هي نشاط تقوم به كنيسة أو هيئة من خلال أفراد ترسلهم. ولا هي استحسان ورغبة شخصية. بل هي من المسيح الرأس للكنيسة التي هي جسده، والمؤمنين أعضاء هذا الجسد. الذي من خلاله يعبِّر المسيح عن حبِّه واهتمامه بالعالم. فالكنيسة امتداد لعمل المسيح ورسالته على الأرض. أو قُلْ هي أسلوب حياة، به نحقِّق غرض وجودنا على الأرض. فهو لم يدَعنا داخل جدران منعزلة عن العالم.

ولكن كيف يتم هذا؟ هذا ما أوضحه الرب في بداية ونهاية خدمته لتلاميذه.
١. الاختيار والدعوة: ودعا الذين أرادهم. وفي نهاية خدمته قال لهم «أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا» (يوحنا١٥: ١٦). ليت كل منا يتأكد من دعوته قبل أن يفعل أي شيء. «وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أعمال١٣: ٢).

٢. الإعداد: ربما يشعر البعض بدعوة الرب له للمشاركة في عمله، ولكن قوة الجذب نحو أشياء أو اتجاهات أخرى أو إغراءات العالم تكون أقوى، فننحرف عن خط سير الدعوة. أو ربما نسير خلف المسيح ونجعل مصلحتنا الشخصية هي هدفنا، كما قال الشيطان للرب في التجربة على الجبل (متى٤): «قُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا». أو نقوم بعمل مبهر يلفت الأنظار «فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ». أو نحصل على ما تريده من أقصر الطرق «أعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي». لهذا نحتاج لفترة إعداد فيها يشكِّل الفخاري الإناء ليناسب المهمة المرسل إليها. وقد استغرق هذا ٤٠ سنة مع موسى و٣ سنوات مع بولس. فلا تستعجل فظروف اليوم هي إعداد لمهمة الغد.

٣. التكليف: «وَأَقَامَ اثْنَيْ عَشَرَ لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَلِيُرْسِلَهُمْ لِيَكْرِزُوا». وهنا نرى الرب هو من يحدِّد لكل واحد نوع خدمته. وهذا أوضحه الرب في مثل العبد الأمين «فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟» (متى٢٤: ٤٥). فالتكليف هنا تقديم الطعام للخدم، وتقديمه في وقته.

٤. ليرسلهم: ما نحتاجه في هذه الأيام أن ننتظر حتى نسمع نداء الرب «مَنْ أُرْسِلُ»؟ ونجيبه «هأَنَذَا أَرْسِلْنِي» (إشعياء٦: ٨). والخوف أن يشير الرب على الكثيرين ويقول «لَمْ أُرْسِلِ الأَنْبِيَاءَ بَلْ هُمْ جَرَوْا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مَعَهُمْ بَلْ هُمْ تَنَبَّأُوا» (إرميا٢٣: ٢١).

٥. ليكرزوا: وهنا نرى تحديد الخدمة. فشكل الإناء، والغرض منه في عيني الفخاري قبل أن يعمله «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس٢: ١٠). ليتنا لا نتسرّع ونقحم أنفسنا في خدمة لم يرسلنا لها الرب بدافع أننا نحب الخدمة، أو بسبب الغيرة من الآخرين، أو أحدهم أشار لنا بهذا «جَعَلُونِي نَاطُورَةَ الْكُرُومِ. أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ» (نشيد١: ٦).

ما على المرسل أن يفعله.
١. فذهبوا إليه: وهنا نرى الطاعة. ذهبوا إليه تلبية لدعوته. وذهبوا إليه ليجلسوا معه. وأيضًا ليتسلموا مهمتهم ولسان حال كل منهم «يَارَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟».

٢. ليكونوا معه: وهنا نرى الشركة مع الرب والجلوس أمامه لنتعلمه أولاً كالمثال. ثم نتعلم منه أين نذهب، وماذا نقول وماذا نفعل. حتى يكون لعملنا أو قولنا التأثير على الآخرين. ولنا في إيليا النبي مثال عملي، عندما قال لآخاب ملك إسرائيل «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ»، ثم قال لعوبديا «حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه»؛ لذا كان لخدمته وكلماته القوة المبهرة والمؤثرة (إقرأ ١ملوك١٧، ١٨). وقد قال الرب عن الأنبياء الذين جروا من أنفسهم «وَلَوْ وَقَفُوا فِي مَجْلِسِي لأَخْبَرُوا شَعْبِي بِكَلاَمِي وَرَدُّوهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ« (إرميا٢٣: ٢٢).
٣. المرسَل والروح القدس: أوصى الرب الرسل الذين اختارهم أن ينتظروا موعد الآب وقال لهم «كِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أعمال١: ١-٨). وكما رأينا كيف كان الرب يسوع كإنسان منقادًا بالروح في تجربته وخدمته. فبالأولى نحن، فالروح هو الذي يرشدنا لكل شيء.
عزيزي القارئ، قَالَ الرب لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ» (متى٩: ٣٧-٣٨). هل لاحظت أن الحصاد يحتاج إلى فعلة يعملون لا إلى مرسلين يتكلمون؟ ليتنا جميعًا نقيّم ما نقوم به في كرم الرب بحسب مثالنا العظيم الرب يسوع. وبحسب تعليم الكتاب.



معين بشير
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf