2008 91

يوم الحسم في حياه موجه الرسم

Bookmark and Share

قصة حقيقية صاحبها الأستاذ ب.ل. بإدارة ديروط التعليمية. كتبها:
نشأت في بيت يحرص على حضور الكنيسة، وقرأت منذ نعومة أظافري سير أبطال الإيمان، وودَدتُ أن أكون بطلاً في يوم من الأيام. كنت أواظب على الصلوات، وكنت شغوفًا بالقراءات وخاصة المقاطع التي تحكي عن ظلم المسيح وآلامه؛ فكانت تهز ضميري ومشاعري، وكنت أشعر بالسعادة كلما انهمرت دموعي، وكأنها تطفئ نيرانًا مشتعلة في ضلوعي.

بداية الحكاية

عملت، بجانب عملي الحكومي كمدرس، عملاً أخر لتحسين دخلي. فاشتهرت وكبرت (كخطّاط ورسام). ثم ارتبطت، ورُزقت بأولاد، أسميتهم بأسماء الابطال الذين أحببتهم، وكنت أجتهد وأعمل حتى أوفّر لهم ما يحتاجونه؛ ومن هنا انغمست بشدة في أفراح العالم ومباهجه. وأسقطت الله من حساباتي واعتمدت على صلوات وقراءات الماضي، ظنًّا مني أنها رصيد يشفع لي. وتفرغت تمامًا لأعمالي الفنية الخاصة، حتى صار دخلي اليومي يعادل راتبي الشهري. كنت أعود إلى البيت في ساعة متأخرة من الليل، متعَبًا ومنهَكًا، وما عدت أشعر بطعم للحياة؛ فساءت علاقتي مع زوجتى وأولادي.

فلسفتي في الحياة

كانت فلسفتي في الحياة هي: ”القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود“؛ لذلك لبد من العمل المستمر لمواصلة نجاحاتي، وتحقيق طموحاتي. فأصبت بحالة من الحزن والاكتئاب، وانعكس ذلك في معاملتي لكل من حولي. وظللت على هذا الحال ميقرب من ثلاثة سنوات.

أصعب سؤال

كنت أخاف جدًا كلما ذهبت الى النوم؛ بسبب سؤال كان يراودني، بل ويطاردني دائمًا، وهو: ربما تكون هذه هي آخر ليلة في حياتك، فأين ستذهب بعدها؟! وكانت إجابتي: ”أكيد إلى جهنم“. وانتابتني حالة من الرعب والهلع؛ فكنت أكره الليل جدًا. وفي كل مرة كنت أذهب الى الفراش، كأنّي على موعد مع الموت. هذه الحالة جعلتني أجلس وحدي في غرفتي، وكنت أسمع صوتًا في داخلي يهمس لي قائلا: ”إن كنت تريد أن تهدأ وتستريح، قُم من على الكرسي، واجلس القرفصاء في ركن الحجرة“! وكنت أطيع الصوت!! ومرات كثيرة كنت أنبطح على أرضية الغرفة لساعات طويلة. ومن شدة الاكتئاب حاولت الانتحار مرات كثيرة.

حمام بالزي الرسمي

عًدت إلى البيت، وأنا ارتدي ”بدلة كاملة“، وكان الجو شديد الحرارة، وإذ بالصوت الغريب يأمرني بأن أدخل الحمام كما أنا وبملابسي، لآخذ دشًا باردًا، دون أن أًخرج من جيبي أوراقي أو حافظة نقودي. وكان يقول لي: ”المياه الباردة ستشعرك براحة عميقة وستهدأ أعصابك“. فدخلت الحمام، وقبل أن أفتح الماء، كأنَّ بيد تخرجني، وتنقذني من فضيحة مدوية لو كنت قد خرجت من الحمام وملابسي مبتلة، ويكون ذلك إعلانًا واضحًا بأنني قد جُننت. فأسرعت إلى حجرتي وأخذت الكتاب المقدس واحتضنته وأنا أصرخ من أعماقي: ”يا رب أرحني أنا تعبان.. تعبان“! فركضت زوجتي نحوي وهي منزعجة متسائلة: ”من الذي ضايقك أو أزعجك؟“ فقلت لها: ”لا أحد! إن سبب حزني في داخلي وليس من الخارج، يظهر أن المسيح غير موجود فى بيتنا“. فقالت: ”الكتاب المقدس أمامك؛ اقرأ فيه، واطلب معونة من الرب“. فقلت لها: ”حاولت كثيرًا لكني لا أفهم من الكتاب شيئًا، إنه مثل اللوغاريتمات بالنسبة لي، عباراته صعبة وغير مفهومة“.

يوم حاسم

دقّ جرس البيت، ففتحت، وإذ بشاب وسيم، حيَّاني بلطف، وعّرفني بنفسه قائلاً: ”أنا فلان.. مدرس في مدارس الأحد، جئت لإسأل عن سلامة نجلكم لأنه تغيب لمدة اسبوعين، لعله بخير“. رحَّبت به، ودعوت ابنى، الذى فرح جدًا بزيارته. جلسنا، واستغرق حديثه مع ابنى ثلاث دقائق فقط! وقبل أن ينصرف، أخبرته عن سبب حزني، فحدَّثني عن أنشودة شخص يسمَّى حبقوق تقول: «فمع أنه ليُزهر التين... فإنى أبتهج بالرب، وأفرح بإله خلاصي». فسألته: ”وهل حبقوق عندنا فى الكتاب؟“ فقال لي: ”نعم، هو واحد من الأنبياء الصغار“، وذكرهم لي. وأنا بدوري استعرضت أمامه معلوماتي القديمة، وخدمتي منذ أكثر من عشرين سنة. لكن اكتشفت أن كل آياتي ناقصة؛ فكان بكل هدوء وأدب يصحِّحها لي. وأذهلني وهو يخرج بسرعة كل آية، فهو بكل أسفار الكتاب له دراية. وشعرت أنه مُرسَل من الله لي، فحدَّثني عن محبته وعن نعمته، وأحسست أني صغير أمامه. فقمت من مقعدي، وجلست على الأرض إعجابًا وأنبهارًا بالكلمة. لمست في حديثه معي الحنان، وفى نفس الوقت كان كلامه معي ذا سلطان. امتدَّت الجلسة لأكثر من ثلاث ساعات. صلى معي، ودعاني لحضور اجتماع كرازي؛ فوجدت نفسي اقبَل الدعوة.

ليلة فاصلة

قبل الميعاد بساعة كنت أرتدى ملابس الخروج، وأنا كلّي شوق لهذا الاجتماع، حتى وصلت الى المكان، فانزويت في أحد الأركان بعيدًا عن الأنظار. وإذا بالخادم يعظ وكأنه يحكي حكايتي، ويقول: ”يا من تخاف من الليل، لا تخف. المسيح حمل ليلك وشرك لذلك فإن «الليل لا يكون فيما بعد».. أنت خائف من الموت لا تخف، المسيح صار إنسانًا «لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية».. المسيح بذل نفسه لاجلك.. إنه يحبك.. لن تهلك.. لقد حمل أحزانك وكآبتك وأمراضك“. ثم قال: ”الرب يقول لك: «أنت لي»“. فقلت في نفسي: و”أنا لك يا رب“. ثم دعانا للصلاة، فصرخت من أعماقي، وسكبت نفسي وقلبي بلا تحفّظ، وبلَّلت دموعي ملابسي

شخص مبتهج

خرجت من المكان حتى لا يراني أحد، فأنا لا أريد أن أتحدّث مع بشر، فقط أريد أن أكمل حديثي مع الرب. وفي طريق عودتي إلى البيت، كنت أشعر بيد تحملني، وأنا أحلِّق عاليًا في عنان السماء. الشوارع ازدادت إضاءة، الطرق متسعة، الناس مبتسمة، وقلبى يرقص فرحًا. دخلت بيتي، واحتضنت زوجتي وأولادى بفرح سماوي. إندهش الجميع من تصرفاتي في تلك الليلة. أحضرت الكتاب المقدس لأراجع العظة، وإذ بي أراه كتابًا آخر، أحرف من نور تتجه إلى قلبي فتنيره، أسلوبه سهل، عباراته مفهومة، فجلست أقرأ وأقرأ.. أستمتع.. وأرتوي.. وأشبع.. كانت هذه ليلة فاصلة في حياتي؛ فتركت أشياء كنت أحبها، وأحببت أشياء كنت أكرهها.. إنها نعمة الله المغيِّرة والمحرِّرة .

القارئ الغالي جدًا: هذه قصة من واقع الحياة، إلتقى فيها الإنسان مع خالقه، بل ومخلِّصه. ألا تشتاق أن تلتقي به أنت أيضًا، فتبتهج وتغني قائلاً:
طبتُ نفسًا يا يسوعُ، مذ تعرفت بككل أيامي هناء تحت ظلك

صفوت تادرس
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf