2014 127

ثرثرة الصَوابع

Bookmark and Share
أحد المزالق التي تُوقِع الناس في العديد من الخطايا، والتي حذرنا منها الكتاب المقدس وذكر لنا عواقبها، هي “الثرثرة”. تهيأ لها المجال هذه الأيام - وبدون حاجة للمقابلة الشخصية - فجعل أمرها أكثر خطورة، كما سنرى. الثرثرة، حتى وقت قريب، كان يُستخدَم فيها اللسان فقط، لكن اليوم يمكن أن تتم بالأصابع وجهاز له “كيبورد وشاشة”. هذه الظاهرة يسمونها “الثرثرة الإلكترونية”. وما أكثر الفرص التي تتيحها شبكات التواصل الإجتماعي لذلك، في حالة استخدام أحد أدواتها، وهي “الدردشة”، بشكل غير متوازن. البرنامج في حد ذاته لا غبار عليه، طالما يُستخدم استخدامًا صالحًا. إنصافًا للحقيقة نقول إنه يُستعمل بالفعل في أمور نافعة، سواء من أجل التواصل على المستوى العائلي، خاصة بين المهاجرين وأفراد عائلاتهم، أو في أنشطة وخدمات متنوعة على بعض المواقع المسيحية.

يتجاذب الناس أطراف الحوار، وتجري المناقشة بينهم بسهولة تامة، دون حاجة أن يخرجوا ويلتقوا في مكان بعينه. علاوة على أن إدراج الأشكال المعبِّرة والرموز - المتاحة في برامج الدردشة - بجانب الكلمات، أصبح وسيلة جيدة للتعبير عن مشاعر المشاركين في الحديث، تُمكِّن كل طرف أن ينقل أحاسيسه للآخر بكل سهولة. يبدأ الحديث وينتهي أحيانًا ببساطة، لكن في بعض الأحيان يتمدد ويتشعب، ثم يتلوى ويتعقد، وفي النهاية يصل إلى “اللا شيء”؛ وهو ما يطلق عليه بالعامية “لت وعجن”. عندما تتحول الدردشة إلى ثرثرة، وتتدنى في أسلوبها وموضوعها، أو في الغرض الحقيقي منها، تزداد فرصة وقوع الأخطاء خصوصًا عندما ترتفع درجة حرارة الحوار الدائر. أتوافقونني أن أصابع كثيرة أصبحت متورطة في الثرثرة الإلكترونية؟ تارة يعضّونها نادمين ويعقدوا النية على ضبطها، وتارة أخرى يفركونها بحماس ويعودوا بشوق ليستأنفوا من جديد جولاتهم على لوحة المفاتيح.

أرجو أن ننتبه لهذه الملاحظات الهامة التالية والتي نتعلمها من الكتاب المقدس. فكلمة الله هي التي تنذرنا عند حدوث أي تجاوز منا. «أَيْضًا عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا، وَفِي حِفْظِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ... لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي» (مزمور19: 11-14). كما تقدم لنا العلاج الوقائي «امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ. امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ» (1تسالونيكي5: 21، 23).

“ملاحظات خمس” أدعوك أن تتذكرها وتراعيها جيدًا قبل أن تنقر بأصابعك على “الكي بورد”.

1. الدافع وراء الكلام

أشجِّعك أن تصلي من قلبك وتطلب رأي الرب في أي شيء تكتبه على الفيس بوك. راجع نفسك بشأن ما تكتبه، إن كان يبني ويشجِّع وينذر ويعلِّم ويعالج... أم لا. امتحن دوافعك بإخلاص أمام الرب. هل تفعل ذلك لأن الفكرة تروق لك وتنال إعجاب الناس، أم لأنها تمجِّد الرب وتفيد الآخرين؟

2. الإيجاز في الكلام

من رَحِمِ الثرثرة تولد خطايا أخرى، تسيء لصاحبها وللآخرين «كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَمَّا الضَّابِطُ شَفَتَيْهِ فَعَاقِلٌ» (أمثال10: 19). عندما يكثر الكلام قد يتسع المجال تدريجيًا للحديث عن إنجازات ومميزات المتكلم نفسه، والتي تجعل الغرور الدفين يطفو على السطح. أحيانًا يتمدد الحديث فيطول الآخرين ويقع المتكلم إما في فخ التملق والمداهنة، أو النميمة والإدانة. تدرَّب أن يكون رأيك أو ردك موجزًا، وواضحًا، وهادفًا، دون أن يتفرع الكلام ويتشعب بلا داعٍ؛ فكثرة الكلام لا تخلو من معصية.

3. التأني في الكلام

عندما يتحمَّس شخص لموضوع قد يُبالِغ في كلامه، وإن كان غاضبًا ولم يتمكن من السيطرة على مشاعره قد يتعرض للحديث عن غيره بكلام صعب، فيشوِّه سمعته. في الغالب، الاعتذار يعيد العلاقة بين المتكلم والمعني بالكلام بنسبة ما، أما الشفاء التام من تأثيره الموجع قد يستغرق مع بعض الناس وقتًا طويلاً. فكِّر مرتين وثلاث قبل أن تُدلي برأيك أو تكتب تعليقًا أو تجيب على سؤال أو تذكر مثالاً... الخ. درِّب نفسك على ضبط مشاعرك وردود أفعالك، مُصلّيًا متأنيًا. تذكَّر خطورة العواقب في حالة التسرع الذي لا يخلو من خطإٍ. ما لا يكلفك شيئًا في كتابته قد تكلفك عواقبه ثمنًا باهظًا. إن تلزم الصمت متألمًا أهون من أن تتكلم ثم تحصد ما يجعلك نادمًا.

4. مضمون الكلام

إن كتبت تعليقًا، لا تخرج عن الموضوع تحت مسمى “على سبيل المثال أقول...” أو “ تذكرت كذا وكذا..” فيتغير مسار الحديثـ وبالتالي تجُرّ الآخرين إلى موضوع آخر. قد تكون دوافع قلبك مستقيمة، لكنك قد لا تدري أن الحل الذي تقدِّمه في القضية المطروحة لا يتوافق مع فكر الرب وأسلوبه. التنديد بالأوضاع الخاطئة وعلاجها بين شعب الرب لا يتم كما يفعل أهل العالم في احتجاجاتهم وثوراتهم. تذكر هذه الحقيقة، أن كل حركة إنهاض وإصلاح وتصحيح مفاهيم وأوضاع خاطئة، استخدم فيها الرب أناس أمناء، ومحبين لشعب الرب، قضوا أيامًا طويلة في تذلل بأصوام وتضرعات وتكلموا وهم مؤيَّدين بقوة الروح القدس. «لكِنَّنِي أَنَا مَلآنٌ قُوَّةَ رُوحِ الرَّبِّ وَحَقًّا وَبَأْسًا، لأُخَبِّرَ يَعْقُوبَ بِذَنْبِهِ وَإِسْرَائِيلَ بِخَطِيَّتِهِ» (ميخا3: 8). هكذا فعل رجال الله، أمثال: صموئيل ويوشيا ونحميا وعزرا ودانيال... الخ.

5. أسلوب الكلام

انتقِ الألفاظ المناسبة واللائقة، حتى لا تكون مشاركتك كالحطب الذي يزيد نار الحديث إشتعالاً «بِعَدَمِ الْحَطَبِ تَنْطَفِئُ النَّارُ» (أمثال26: 20). وفّر على نفسك مشقة استدراك الأخطاء ثم الإعتذار وإعادة التوضيح. أحيانًا يظل التعبير الجارح راسخًا في مخازن الذاكرة لا تزحزحه قوة الإعتذارات.

تذكَّر أن جميع ما سبق يتأثر بشكل كبير بما يمتلئ به ذهنك وقلبك. إن ما تفكر فيه وما يشغل قلبك هو ما ستطبعه أصابعك، وهو إنعكاس دقيق لشخصيتك وقناعاتك. جدير بنا أن نتبع الوصية الكتابية القائلة: «كُلُّ مَا هُوَ حَق، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا» (فيليبي4: 9).

أيمن يوسف
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf