1994 6

يوحنا ويكليف

Bookmark and Share
لما أدرك الشيطان أن نيران الإضطهاد لا تزيد الكنيسة إلا لمعانًا وقوة في الشهادة لسيدها، لجأ إلى الخداع بجعل الكنيسة صديقة للعالم مُستخدمًا رضاء الأباطرة والعظماء وعطفهم على الكنيسة الذي جعل رجال الدين في ذلك الوقت يضعون يدهم في يد العالم ويتحدون معه وينخدعون بتملقاته. وسرعان ما غزت المبادئ العالمية الكنيسة وظهرت كثير من التعاليم الغريبة التي أدت إلى إغفال نعمة الله، وتعظيم الذات. واتجه الكثيرون منهم إلى مُضاعفة ثرواتهم، متجرين بأمور الدين. وكان لابد في هذه الحالة من مقاومة عمل الرب وتحريم قراءة الكتاب المقدس ليبقى الشعب أعمى، وحاربوا كل من فتح الرب ذهنه على المكتوب واتهموه بالهرطقة. والتاريخ ملئ بالفظائع التي ارتُكبت في ذلك الوقت ضد رجال الله الأمناء والتي فاقت الإضطهادات التي لاقوها على يد الوثنيين، حتى ساد الظلام وعمَّت الخرافات.

ولكن هل يترك الرب نفسه بلا شاهد؟ حاشا. بل بقيت نعمة الله عاملة في شهوده الأمناء الذين شهدوا للرب ولنعمته حتى في أحلك أوقات الظلمة. ومن هؤلاء الشهود: يوحنا ويكليف»
ولادته   ونشأته  
وُلد من أبوين فقيرين بمقاطعة يوركشير بانجلترا عام 1324 م ولكنه وصل في تعليمه إلى جامعة اكسفورد وتعلم على يد عالم تقي هو توماس برادو اردين الذي منه استقى آراءه عن عمل النعمة وعدم وجود أي استحقاق بشري في أمر الخلاص كقول الكتاب «لأنكم بالنعمة مُخلَّصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد» (أف 2: 8،9) وقد تقدَّم ويكليف بسرعة ليس في العلوم المدنية فقط لكن في دراسة كلمة الله بمعونة الروح القدس وكان متضلعًا في اللغتين اللاتينية والإنجليزية، وجاهد في المُناداة بالإنجيل بلغة القوم العامة.
بدء   الخدمة
حوالي عام 1349 م انتشر وباء الطاعون في انجلترا وفي كل المسكونة وحصد حوالي ربع السكان مما ملأ قلب ويكليف بالمخاوف واستنتج أن يوم الدينونة على الأبواب فقضى في صومعته أيامًا وليالي في صلوات حارة طالبًا الإرشاد الإلهي خرج بعدها وقد امتلأ قلبه بالسلام الكامل من كلمة الله، مُبشرًا بكل غيرة وأمانة بالإنجيل حتى لُقب «الدكتور الإنجيلي» . ولكن الذي أكسبه الشهرة في اكسفورد هو مقاومة الأنظمة الفاسدة في الكنيسة ، وضرب ويكليف بشدة على أصل هذا الشر.

في سنة 1361 إنتُخب ويكليف أُستاذًا بإحدى الكليات وبعد ذلك بأربع سنين انتقل إلى كانتربيري وصار موضع احترام الجميع لمعرفته الدقيقة بالمكتوب وطهارة حياته الخاصة وشجاعته في الحق وفصاحته كمبشر وكان ينادي بالخلاص بالإيمان، بالنعمة بدون أي استحقاق بشري، وذلك كان متعارضًا تمامًا مع المفهوم السائد في ذلك الوقت وأعلن أنه ما من قانون ديني يمكن أن يكون له قوة إذا كان متعارضًا مع كلمة الله، مما جعل البابا والكرادلة يخافونه ويتتبعون أعماله بدقة.

وفي عام 1372 ارتقى ويكليف إلى رُتبة دكتور في اللاهوت مما أعطاه الحق في إلقاء المحاضرات العامة كما كان يُحاضر الطلبة في جامعة اكسفورد وكان له تأثير صالح على عقول وقلوب مئات الطلبة الذين كانوا يتزاحمون على محاضراته والذين كانوا بدورهم يذهبون كمعلمين متجولين حاملين نفس البذار الثمينة المباركة.

عمل   وجهاد   واضطهاد
عكف ويكليف على الوعظ ونشر النبذ الروحية الواضحة بين جميع الطبقات وكان مما يقوله «إن إنجيل الرب يسوع المسيح هو المصدر الوحيد للدين الصحيح» وكان لتقواه وطهارة سلوكه إلى جانب مُناداته بالحق أن اجتمع حوله جمهور عظيم. وصل ويكليف إلى مركز سامٍ وكان الملك مُتعاطفًا معه وقد عيّنه رئيسًا لجامعة لاتروث في عام 1375، على أن الأخطار كانت تتجمع حوله وتهدده من نواحِ أخرى بعد أن أثار غضب البابا والرؤساء الدينيين الذين اتهموه بالهرطقة وأعلنوه بالحضور أمام المجلس التأديبي. فخضع ويكليف وحضر المجلس، ولكنه تلقى عونًا من يوحنا دوق لانكستر واللورد برسى قائد انجلترا العام وهكذا أصبح ويكليف حرًا مرة أخرى بعد أن نجا من العقاب الشديد أو الموت حرقًا الذي كان يخططه له أعداؤه. استمر ويكليف يكرز ويعلم الشعب بغيرة وشجاعة لم تَقَلاَّ عن الأول، واستُدعى مرة أخرى للوقوف أمام نفس المندوبين البابويين ولم يكن بجانبه هذه المرة أحد بل كان متكله الله الحي وحده وبطريقة عجيبة أنقذه الرب أيضًا من أيديهم فعاد إلى أعماله الأولى وأنشأ فرقة من المبشرين المتجولين يطوفون البلاد المختلفة مُنادين بإنجيل المسيح مُعتمدين على الرب في تسديد أعوازهم .

ويكليف   والكتاب   المقدس
على أن أعظم أعمال ويكليف كانت ترجمته للكتاب المقدس للغة الإنجليزية. وكان كلما أنهى ترجمة جزءاً سلَّمه بسرعة إلى النُسّاخ حتى انتشر الكتاب انتشارًا واسعًا بين جميع الطبقات مما كان له أعظم الأثر على عامة الشعب فقد استنارت العقول وخلصت النفوس وتمجد الله. وقد حاول الإكليروس إصدار تحريم لنشر الترجمة الإنجليزية ولكن فشلت هذه المحاولة الآثمة وانتشر الكتاب في طول البلاد وعرضها بواسطة المُبشرين المتجولين. وبعد أن اجتاز ويكليف ضيقات كثيرة وتهديدات عديدة وبعد أن أنقذه الرب من السجون والموت حرقًا، سمح الرب له أن يغلق عينيه في سلام ورقد في الرب في آخر يوم من سنة 1384   

نحميا ناثان
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf