1996 19

يشوع القائد

Bookmark and Share
تأملنا فى العدد السابق فى المرحلة الأولى من حياة يشوع عندما كان غلاماً خادماً لموسى؛ ثم وهو شاب يقود رجال الحرب ضد عماليق ويحرز النصرة العظيمة.  وفى هذا العدد نتناول يشوع كالقائد العظيم الذى قاد الشعب بعد موت موسى لدخول أرض كنعان وامتلاكها.

النجاح
«إنما كن متشدداً وتشجع جداً لكى تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التى أمرك موسى عبدى لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً لكى تفلح (تنجح) حيثما تذهب» (يشوع1: 7).

بعد موت موسى، كلف الرب يشوع بأن يتولى مهمة قيادة الشعب وعبور الأردن والدخول لامتلاك الأرض.  ولا شك أن يشوع شعر بضآلته إزاء هذه المسئولية الجديدة، فهو يأتى بعد موسى الرجل العظيم الذى لم يقم نبى مثله، ثم الشعب الذى يقوم بقيادته شعب كثير جداً وأيضاً ذو طبيعة رديئة للغاية؛ وهذا ما رآه يشوع منهم فى تعاملاتهم مع موسى خلال رحلة الأربعين سنة.  كم كانت المسئولية صعبة، لقد كان عليه أن يعبر بهم نهر الأردن؛ ولابد أن يقودهم فى حروب متتالية لطرد الأعداء وامتلاك الأرض.  إزاء كل هذا كان من الطبيعى أن يبادر إلى ذهن يشوع تساؤل عن إمكانية نجاحه فى هذه المهمة الصعبة.  وإذ بالرب يضع أمامه الطريق الوحيد للنجاح؛ وهو الطاعة الكلية للشريعة الإلهية.  فهو يوصيه بأن يضع نصب عينيه دائماً سفر الشريعة «لايبرح سفر هذه الشريعة من فمك  بل تلهج فيه نهاراً وليلاً لكى تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه، لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح (تنجح)» (يشوع1: 8).  كان على يشوع لا أن يقرأ كتاب الشريعة فقط، بل أن يتخذه صديقاً يومياً يسير معه كل صباح وكل مساء.  كان عليه أن يخلق فى نفسه وبيته وشعبه عادة التأمل اليومى فى كلمة الله «لكن فى ناموس الرب مسرته وفى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً، فيكون كشجرة مغروسة عند مجارى المياه التى تعطى ثمرها فى أوانه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح» (مزمور1: 2-4).

صديقى الشاب؛
لا يمكن أن نحيا حياة مسيحية ناجحة ما لم  نلازم كلمة الله.  وإنى أسألك: هل تتوق للنجاح فى كل جوانب حياتك؟ هل تشتاق أن تكون ناجحاً ذهنياً وروحياً ونفسياً؟  لا طريق سوى كلمة الله.  كيف تقرأها؟  هل بتأمل يومى مستمر؟  ثم هل تظل بقية اليوم متفكراً فيما قرأته؟  وعندما يصادفك موقف صعب أو يكون عليك أن تتخذ قراراً حرجاً؛ هل تبحث عن الإرشاد والهداية فى كلمة الله؟  فى إحدى المرات خُدِع يشوع من جماعة يُدْعَوْن الجبعونيين لأنه لم يستشر الرب «فأخذ الرجال من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا» (يشوع9: 14)؛ وهذا ما نتعرض له عندما نعتمد على حكمتنا وأفكارنا ولا نستشير الرب، فإننا لابد وأن نصاب بالفشل.

ظهور الرب وتأثيره
قبل أن يُقْدِم يشوع على الموقعة الحربية الأولى، وهى أريحا بأسوارها الحصينة؛ ظهر له الرب.  «وحدث لما كان يشوع عند أريحا أنه رفع عينيه ونظر وإذا برجل واقف قبالته وسيفه مسلول بيده، فسار يشوع إليه وقال له هل أنت لنا أو لأعدائنا.  فقال له كلا، بل أنا رئيس جند الرب؛ الآن أتيت» (يشوع 5: 13-15).  يبدو أن يشوع كان يستكشف هذا الحصن المنيع ليرسم خطة حربية مناسبة لمهاجمته؛ كان هو القائد وكان هذا واجبه.  لا شك أنه كان متأكداً من أن الرب سوف يقف بجانبه، ولكن هذا لم يمنعه من أن يؤدى واجبه.  إن اعتمادنا على الرب لا يمنعنا من القيام بواجباتنا واستخدام الوسائل الموضوعة بين أيدينا.

كان رجلاً شجاعاً حقاً.  فهو الذى رأى الرب فى صورة رجل يمسك سيفاً بيده، فلم يرتعد أو يهرب.  لقد كان له وعد الرب «لا يقف إنسان فى وجهك كل أيام حياتك» (يشوع1: 5).  وها هو يوضع تحت الامتحان؛ فتقدم نحو الرجل بشجاعة.  لكنه من الناحية الأخرى لم يكن مندفعاً؛ فلم يستل سيفه ولم يدخل مع الرجل فى صراع؛ بل سار إليه وسأله «هل أنت لنا أو لأعدائنا».  لم يكن شجاعاً فقط؛ بل حكيماً أيضاً.  واكتشف يشوع أن الرجل ليس مجرد إنسان بل هو الرب نفسه « أنا رئيس جند الرب».  لكن لماذا ظهر الرب فى هذه الصورة؟ ليُعلن نه هو القائد الحقيقى للمعركة.  هو الذى يرسم الخطة الحربية، وهو الذى يحدد ميعاد البداية؛ «الآن أتيت» لأقود المعركة.

«فسقط يشوع على وجهه إلى الأرض وسجد وقال: بماذا يكلم سيدى « عبده»  أدرك أنه أمام الرب الذى يليق به السجود.  لقد كان رجلاً فاهماً ومميزاً.   ثم أخذ المركز الصحيح أمام الرب؛ انتظار إرشاده وتعليماته.  وإذ طلب الرب منه أن يخلع نعله من رجله فعل ذلك مدركاً أنه فى محضر الرب لا بد من القداسة وإبعاد أى أثر للدنس والشر.

الإيمان
لمع الإيمان فى يشوع فى مواقف كثيرة، وأقصد به الثقة فى قدرة الرب وعدم الشك فيه.  كانت الصعاب والتحديات تقف أمامه دائماً، فواجهها وتغلب عليها بالإيمان. عندما جاء بالشعب أمام نهر الأردن (يشوع 3،4) وهو ممتلئ إلى شواطئه تماماً، عرف أن الرب سيمكنهم من العبور فيه بمعجزة.

لم يكن فى ذلك غرابة بالنسبة له؛ فقد عبر قبلاً، وهو شاب صغير، البحر الأحمر وراء موسى ورأى المعجزة.  فالله نفسه بقدرته سيظهر فى ذلك الموقف.  وفعلاً أوقف الرب المياه المندفعة ونشف النهر.  ثم أمام أسوار أريحا العالية الضخمة (يشوع 6) أخذ الخطة من الرب، ودار هو والكهنة والجيش حولها، تماماً كما أمره الرب؛ مدركاً وموقناً أن الأسوار ستسقط بقدرة الرب؛ ومكتوب «بالإيمان سقطت أسوار أريحا بعدما طيف حولها سبعة أيام» (عبرانيين11: 30).

ثم عندما حارب خمسة ملوك أعداء (يشوع10) كان له ثقة عظيمة فى الرب؛ حتى أنه صلى أن لا تغرب الشمس فى ميعادها ويستمر نور النهار حتى ينتصر فى المعركة، وأجاب الرب طلبته وشجع إيمانه «فوقفت الشمس فى كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل.  ولم يكن مثل ذلك اليوم قبله ولابعده سمع فيه الرب صوت إنسان لأن الرب حارب عن اسرائيل» (يشوع10: 13،14). 

فريد زكي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf